كنا نحسب ان الموت، لا يمكن ان يطال من نحبهم ونتغذى على أفكارهم وقيمهم وابداعهم؛ “الا ان من نحبهم يختارهم الغياب بدقة” كما يقول جلال الدين الرومي. كنا نعتقد ان المنجزات الحية التي قدموها للبشرية، يمكن ان تستثنيهم، بوصفهم بناة عمران الانسان.. ذلك ان هذا البناء، هو الشيء الوحيد الخالد في هذا الكون.
ولأنهم بناة الكائن الذي يفكر ويعمل ويضيء للأجيال القادمة، رأينا ان الموت لا يمكن ان يطال حياتهم، لكنه على نحو آخر؛ يبقى عاجزاً عن موت عطاءاتهم الفذة. هذه حقيقة.. الموت عصي على أولئك الذين غذوا البشرية بنور علومهم ومعارفهم ومواقفهم.
من هنا وجدنا.. شهر آب، بكل ما يملكه من جمرات ومن غلظة ومن تعسف؛ يأخذ منا أربعة من خيرة معلمينا الذين اضاءوا امامنا دروب المستقبل، وعلمونا كيف نفكر وكيف نتخذ المواقف الوطنية، وكيف نبني مجتمعاً متعلماً ومنتجاً وفاعلاً في الحياة.
آب.. اخذ نفائس نادرة من القامات التي كان لنا شرف ان نقف عند منجزاتها الخالدة..
آب.. اخذ منا صاحب “النخلة والجيران” و “خمسة أصوات” غائب طعمة فرمان والذي كان دليلنا الى نفائس الادب الروسي، عندما ترجم لنا عناقيد الروايات الفذة. وشمران الياسري (أبو كاطع) الذي ترك بصماته اليومية في عمود صحفي، والذي لم نتبين حتى الآن كاتباً يرقى الى ما انجزه من حضور متميز، مثلما كانت علاقته بالريف علاقة حميمة، تعلمنا عن طريقها ذهنية الفلاح العراقي عن طريق “رباعيته الروائية” هي الأولى التي حفرت عميقاً في جذر القرية العراقية. كذلك عرفنا من : كامل شياع، كيف يكمل المسيرة في فكر تقدمي، حرص تماماً على ان يكون في متناول الجميع، بحيث لا يأخذ من الحياة بريقها في الوصول الى الناس، فهو الى جانب ذلك على خلق عظيم، ظل قرين كتاباته الفكرية الفذة والتي قرأنا منها: “اليوتوبيا/ معياراً نقدياً/ الفلسفة ومفترق ما بعد الحداثة/ تأملات في الشأن العراقي/ قراءات في الفكر العربي الإسلامي/ أوراق كامل شياع”. اما إبراهيم الخياط فقد كان قد بنى لنا “جمهورية البرتقال” ورسخ تقاليد عمل اداري في اتحاد الادباء والكتاب في العراق، غير مسبوقة، بحيث اصبح المثل الأعلى للتضحية من اجل الآخرين وكسب محبتهم واعتزازهم وتفاعلهم المخلص معه في جميع خطواته.
أربعة شخصيات.. حفرت عميقاً في الذاكرة.. نماذجها الفكرية والابداعية التي ستظل خالدة في مسيرة حياتنا.