زياد
ظلام، صمت ، تُضاء امرأة
شابة، جاثية على الأرض
المرأة: “ ترفع رأسها” ما جرى ويجري الآن، حقيقة أم وهم ؟ “ تهز رأسها” لا أدري، وربما لا أريد أن أدري، فالحقيقة أحياناً
قاتلة “تُسمع طرقات من بعيد” مثل هذه
الطرقات سمعتها تلك الليلة “تقف ببطء”
فاعتدلتُ منصتة، لا شيء غير البرد
والصمت والظلام، وعبثا حاولتُ أن
أعرف، إذا كان ما سمعته في الحلم أم
في الواقع، نهضتُ حائرة، ونزلتُ السلم، وتسللتُ إلى الباب، ووقفتُ منصتة،
وإذا بي أسمع زياد يهتف بي هامساً عبر
الباب.. نادية ، وخفق قلبي بشدة، إنه
زياد، وفتحتُ الباب، ورأيتُه، بملابسه
العسكرية ، يقف مرتجفاً في الظلام ،
فهتفت فرحة.. زياد ، ومرق زياد إلى
الداخل، مغمغماً .. ما أبرد الجو هذا
اليوم، وأسرع نحو السلم ، فأغلقتُ الباب، ولحقتُ به هاتفة .. مهلاً ، سأوقظ
والديك، إنهما ينتظرانك .. مثلي ،
وقاطعني زياد قائلاً ، وهو يرتقي السلم
إلى غرفتنا .. إنني متعب ، تعالي ، أريد
أن أرتاح إلى جانبك ، وتوقفتُ حينها
لحظة، يا إلهي، أهذا حلم أم حقيقة ؟ لقد
قتل زوجي زياد في الجبهة، أو فُقد ، هذا
ما قالوه لنا ، ولحقتُ به إلى غرفتنا ، ففتح
لي يديه هامساً .. نادية ، لم أشعر بيديه
تطوقاني ، فحدقتُ فيه ، وقلتُ .. زياد،
قالوا لنا إنك قتلت في الجبهة أو ..،
ودفعني كالعادة إلى الفراش ، وقال ..
دعكِ منهم ، إنني مشتاق إليكِ ، أفقتُ
صباحاً على أم زياد، تناديني بصوتها
الشائخ الحزين .. نادية، الفطور جاهز،
وأيقظته هامسة.. زياد، انهض،
فطورك جاهز، فأجابني، وهو يضمني
إلى صدره.. إنني لا أحتاج الفطور،
وإنما احتاجك أنت، ابقي إلى جانبي،
ونادتني أم زياد ثانية.. نادية، انزلي يا
بنيتي، الفطور سيبرد، ودفنتُ وجهي
في صدره، ليبرد الفطور، لن أنزل،
وسأبقى حتى النهاية إلى جانب.. زياد
“تصمت طويلاً” أفقتْ وليتني لم أفق،
عدما دفع الباب بهدوء ، ودخلت أم زياد،
وقالت لي بصوتها الأمومي الشائخ..
أقلقتني، يا بنيتي، ها أنت ندية مثل
الوردة، تعالي ، عمك ينتظرك على
القطور، نظرت إليها، يا لي من وردة
ذابلة، وسأبقى ذابلة ما دام زياد بعيداً
عني، لكني سأنتظر، لعلي ذات ليلة
أسمع طرقاً.. طرقاً حقيقياً على الباب..
فأطير إليه .. وأستقبله.. وأصيح..
“تصيح فرحة باكية” زياد..
المرأة تجثو على الأرض ،
صمت، الضوء يخفت بالتدريج
الجدة ماري
ظلام ، صمت ، تُضاء الجدة
ماري ، امرأة شائخة ، متعبة
الجدة: “ تتلفتُ حولها “ هذه هي غرفتي ، وهذا
هو بيتي ، لقد عدتُ بعد تشرد أربع
سنوات ، هل عدتُ حقاً إلى حياتي وبيتي
وغرفتي ؟ “ تصمت لحظات “ عندما
جاءوا ، وقبل أن يدخلوا المدينة ، لاذ
الأهالي بالفرار ، تاركين بيوتهم كما هي ، لم أترك بيتي، صحيح إنني كنتُ وحيدة
فيه ، لكن حياتي وحياة زوجي ياقو ،
الذي رحل قبل أكثر من عشرين سنة،
وحياة أولادي، كانت في كلّ زاوية من
زواياه، بقيتُ ربما وحدي معهم في
المدينة، دون أن أغير أيّ عادة من
عاداتي اليومية، التي اعتدتُ عليها منذ
سنين “تصمت لحظة” واليوم تحاملتُ
على نفسي، وارتديتُ ملابسي السوداء،
وخرجتُ من البيت، بعد أن سحبت بابه
الخشبي الثقيل، لم أغلقه بالمفتاح ، فمن
سيسرقه، ثمّ ماذا لديّ في البيت يمكن أن
يُسرق؟ ومضيتُ نحو الكنيسة، وهذا ما
كنتُ أفعله منذ سنين طويلة ، وكانت أمي
تقول لي.. ماري ، اركعي للرب يسوع،
واطلبي منه ما تشائين، وسيلبي طلبك،
وقد طلبتُ الكثير من الرب، وأعطاني
كلّ ما طلبته، طلبت أن يبقى والداي،
وقد بقيا حتى شاخا، وطلبت أن تتزوج
ابنتي جمبد ، وقد تزوجت، وأنجبت تسغ
بنات، وصبي رقيق جميل كالبنات اسمته
يوحنا ، وطلبت من الرب، أن يهدي ابني
ياقو، ويقنعه بعدم الهجرة إلى امريكا،
فأمريكا ليست أفضل من بغديدا، وبناتها
لسن أجمل من بنات بغديدا، لكن الرب،
لسبب لا أدريه، لم يستجب لطلبي هذا،
وهاجر ياقو إلى امريكا، ومررتُ في
طريقي إلى الكنيسة، بثلاثة رجال
ملتحين، مدججين بالسلاح، فتوقفوا حين
رأوني، وراحوا يتابعونني بنظراتهم
الغاضبة، وسمعت أحدهم يقول.. الجميع
غادروا بيوتهم، عدا هذه العجوز الخرفة ، وهي تعيش وحدها في بيتها، وسمعت
أخر يردّ عليه.. إنها ليست وحدها ، فهي
تقول إنها تعيش مع زوجها وابنها وابنتها، التي لها تسع بنات وولد واحد،
وسمعت الثالث يقول.. لقد صبرنا عليها
طويلاً، خذوها وألقوها على مشارف
اربيل، وعند منتصف الليل، جاء مسلحون
بثيابهم السوداء، وأخذوني من بيتي قسراً، وألقوني على مشارف اربيل، وبقيتُ
بعيداً عن حياتي اربع سنين “صمت
طويل” الآن أنا في غرفتي، في بيتي ،
في حياتي، وسأنام الليلة، كما في ليالي
زمني الجميل، حولي زوجي وابني
وابنتي جمد وبناتها التسع وابنها الجميل
كالبنات.. يوحنا .
صمت، يُطفأ الضوء،
تختفي الجدة ماري، صمت
حانة سدوري
سدوري في الحانة
تنظر عبر النافذة
سدوري: تأخر اورشنابي ، هذه ليست عادته، إن
جلجامش كان ينتظره على أحر من الجمر، أخشى أن يكون صبره قد بدأ ينفد
“تصمت لحظة” ها هو جلجامش قادم،
ويبدو مقطباً .
جلجامش“ “يدخل مقطباً” طاب صباحكِ.
سدوري: طاب صباحك “تنظر إليه” خرجت
اليوم مبكراً، تتجول قرب الشاطئ.
جلجامش: اعطني قدحاً من الجعة.
سدوري: “ تبتسم” لعلّ الوقت مبكر على الجعة،
نحن في أول الصباح .
جلجامش: إنني ظامئ .
سدوري: “تقدم له قدحاً من الجعة” أنت لم تفطر
بعد، سأعد لك طعام الفطور.
جلجامش: “يحتسي من قدح الجعة” لا أشتهي أي
شيء.
سدوري: لا عليك، لابدّ أنّ اورشنابي سيأتي
اليوم، لقد تأخر أكثر مما ينبغي.
جلجامش: “يحتسي بقية الجعة” حتى الجعة لم تعد جعة.
سدوري: “ تبتسم له” سيأتي اورشنابي اليوم،
ويأخذك صباح الغد، عبر بحر الظلمات
إلى الخالد اتونا بشتم.
جلجامش: لن أعبر بحر الظلمات.
سدوري: “ تنظر إليه متعجبة” ....
جلجامش: لقد جاءني انكيدو البارحة في المنام .
سدوري: لكنك غادرت اوروك، وجئت إلى
اتونابشتم، من أجل الخلود .
جلجامش: الخلود لن يعيد لي خلي انكيدو من العالم
الأسفل..
سدوري: “ تحدق فيه مذهولة” ثمّ إن خلودي هذا
سيكون ناراً حارقة، إنه سيجعلني أرى
زوجتي وهي ترحل ، وكذلك ابني،
وأحفادي الذين سيأتون، الوحد تلو الآخر
“يتجه إلى الخارج” سأعود من حيث
أتيت “يخرج” .
سدوري: من يدري ، لعلّ الآلهة على حقّ، حين
قدرت الموت على الانسان واستأثرت هي
بالخلود.
يدخل اورشنابي حائراً،
ويقترب من سدوري
اورشنابي: سدوري ..
سدوري: “ تنظر إليه “ لقد ذهب جلجامش.
اورشنابي: رأيته يسير مبتعداً .
سدوري:“ تقدم له قدح جعة:” لن يعبر بحر
الظلمات.
اورشنابي: لكنه جاء طلباً للخلود.
سدوري: أنت متعب، اشرب جعتك، ودعنا نفكر
في حانتنا هذه، التي لا ترتادها سوى
الاشباح .
اورشنابي يشرب قدح
الجعة ، يسود الصمت