فنّ السخرية وإدارة دائرتها المتلازمة في النصّ الشعري الحديث تحتاج إلى مهارة عجائبية، فعندما نقرأ نصّاً ونحن نفتح الفاه، فهذا يعني أنّ هناك فنّاً عجائبياً أو صورة عجائبية وإن التزمت حجمها الصغير، ولكنّها ذات تأثير كبير، لذلك أطلقت عليها بالجملة الشرسةـ والسخرية هي أساسا تؤدي إلى الشراسة لقوّة فاعليتها التي تعتمد على عكس الأشياء وتتجاوز المعقول.. مثلا عندما نقول: (بالَ ثعلبٌ في البحر مرّة، ثم وقف يتأمّل اتساع البحر وطوله وعرضه. ولما جاءه حيوان آخر، وسأله عن مصدر مياه البحر الكثيرة قال: إنّ هذه كلها من بولي - عن لسان ثعلب.. من الأدب السومري.. السخرية في الأدب). ففي الحالتين تؤدّي إلى عجائبية المنظور المرسوم وفي الوقت نفسه إلى الدخول في فنّ السخرية، فالثعلب والمعروف عنه بالاحتيال والمكر أراد أن يخلق شيئاً ساخراً، وفعل ما أراد.
يعتمد فنّ السخرية على عنصر التعرية لأطراف مستغِلة، وخصوصاً في المجتمعات النامية، ولكن في الوقت نفسه لا يخلو الأمر في أن يقودنا هذا الفنّ إلى مبدأ الفكرة أو بعض القرارات التي يسخر منها صاحب الشأن، وبما أنّنا في الشعر العربي الحديث ونخوض في الأبعاد الرمزية والسريالية لذلك، يكون اللامعقول والمختلفات والخيال وكذلك حركة فعل المتخيّل وفعل الإثارة الساخر من الممكنات الفنّية التي تؤدّي وظائفها في النصّ الشعري الحديث، وفي الوقت نفسه اتّجاهاته في فنّ السخرية عديدة، ولكنّنا نتوقف باتّجاه الابتسامة والنكتة الشعرية – السياسية التي تسخر من السياسي ومن الاستغلاليين لقوت الطبقات المعدمة؛ وفي العراق هناك حركة كبيرة بتوظيف فنّ السخرية لكي يزرع الشاعر الأريحية بدلا من الحزن المدجّج الذي يعاني منه المواطن العراقي بالخصوص والعربي عموماً، وقد كان الفنّ العجائبي أحد فنون السخرية، أو أنّ هذا الفنّ يدخل في فنّ السخرية وذلك لغرابة الكلمة والجملة التهكّمية أو عجائبيتها.
دخل فنّ الكاريكاتير فنّ السخرية؛ حيث تكون الصورة عادة هي التي تتحدّث مع بضع كلمات توضيحية ترافق الصورة كمنطوق تأويلي يؤدي إلى المباشرة أو إلى اللامباشرة ولكن بآليات تختلف عن آلية فنّ النصّ الشعري وقد اشتهر الفنّان العراقي مؤيد نعمة بهذا الفنّ عندما عرّى الكثير من المواقف الساخرة مدينا بها الأعمال الأمريكية (الإسرائيلية) اتجاه الشعب الفلسطيني “(1)” .
تتوقف العجائبية عند فنّ الكاريكاتورية وتثير الدهشة لدى المتلقي، ولكي نربط هذا المنظور في النصّ الحديث، نلاحظ أن الدهشة تلازم فن السخرية وتثير المتلقي ليس فقط في الضحك أو الابتسامة، وإنما تثير فيه روح الشجاعة والتحدّي والتمرّد؛ ومن خلال ترجمة تلك الرسومات الكاريكاتورية والتي من مميّزاتها الخطفة الأريحية، نلاحظ أنّ هناك علاقة بين الصورة الشعرية المدهشة والرسم الكاريكاتوري، ونستطيع أن نسمّي هذه العلاقة بالدهشة الكاريكاتيرية؛ وذلك لسرعتها وقوّة تأثيرها بالمتلقي، حيث تؤدّي إلى الصدمة السريعة للإدهاش، وتكون عالقة في الذات لسنوات وربّما للأبد أيضاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- دخل مؤيد نعمة (1951 بغداد)، الساحة الساخنة للرسم الساخر في أيام نكسة يونيو (حزيران) 1967، برسم كاريكاتيري يمثل الرئيس الأميركي جونسون، وهو يرفع بدل شعلة تمثال الحرية الأميركي قنبلة «نابالم» كانت إسرائيل تستخدمه بوقاحة في حربها ضد العرب.
(2)- أرسل الفتى مؤيد رسمته تلك إلى المجلة البغدادية الساخرة «المتفرج»، وكم كانت دهشته كبيرة عندما وجدها تحتلّ مساحة الغلاف الأول من المجلة المثيرة للجدل.
- من حوار أجراه رسام الكاريكاتير على المندلاوي قبل وفاة الفنّان مؤيد نعمة بفترة قصيرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب عراقي يقيم في الدنمارك