من أية سمفونية أبدأ ؟ وبأي لحن سومري الهوى أنتهي؟ والوطن الذي أدمن الوداع يزف كوكبا آحر من سماء الابداع الى سدنة المقابر، نعم نحن اليوم يرصفنا الذهول تحت لافتات الانكسار لنعزي أنفسنا ونقول “ للطيور الطايرة” البقاء في حياتك، وخاتمة الاحزان ننشدها بتراتيل السماء” للگنطرة بعيدة “ ونقرأ الفاتحة مع المظلوم ذياب كزار بسرادق عزاء “ يبنادم “ لعله يقول لنا ماقاله لكوكبنا” بچي الشموع الروح يبنادم...بس دمع ما مش صوت ...ربطة جنح مكسور يبنادم...گلبي يرف بسكوت.... لاهي سنه وسنتين يبنادم ...لاهي صحوة موت...حسبة عمر عطشان يبنادم.... والماي حدره يفوت” وعلى الرغم من الحزن علينا لزاما ان نبارك لكاظم الركابي ورائعته ( ينجمه) عودة كوكبها اليها بعد فراق بل غربة جهاد ومحن امتدت لعقود.

أسمع عاشق الوطن والناس مع صمت الموت منشدا مع زهير الدجيلي” بوسة مسافر باول وداع...ياهوى الناس....فرحة الشاطي بشوفة شراع...ياهوى الناس...ويطفى الفراگ ويه المحبين...وحتى الگمر يتوادع ويانه حبيبين...محد يعرفك ياهوى الناس...غير اليحب الوطن والناس” وانت أولهم ياكوكب( 87) عاما ولم تطرق ابواب الطغاة، ولم تتملق موسرحال على حساب فقير عشقته وعشقك، فكانت اغانيك اناشيد الوطن والمظلومين، هام بك الكبير والصغير لانك حري بالهيام، لأن جذوة حبك ومباديء حزبك بقيت لاهبة حمراء لم تطفئها ثلوج الغربة الطويلة أبدا ايها الشامخ بكبرياء الارض أنا على يقين تام حين يسجّى بالمغتسل، ما أن يمسه الماء ستنشد معنا كل قطعة من جسمك الطاهر” افيش بروج الحنيه” لتضحك ويضحك معك صاحبها كامل العامري بعد رحيل لا عودة منه.ألا يحق لنا أن نغبطك على هذا التاريخ الطويل الذي دونته اعوام نضالك بمقارعة الديكتاتورية والظلم،(49) عاما من الغربة والمنفى القسري وانت انت تحمل عنفوان الوطن وكبرياء العراقي الغيور غير آبه بعوز ولا مباليا بتعقيدات حياة غريبة في مدينة القاسم، بل حملت عودك الخشبي وهو كنزك في محطات المنفى، وكنت في كل محطة انشودة ثورة حقيقية وكأنك تقول للجميع ان ألم الغربة على الانسان أهون من مغازلة سلطان جائر على حساب حقوق شعب مستلبة ووطن اغتصبته سلاطين الظلم والطغيان، وفي كل منفى تحمل عودك كمنجل مقاوم يصرخ بصوتك الرخيم ولحنك العذب وبكلماتك رفيقك بالنضال والثورة ابا سرحان “ حاصودة وبيدي المنجل بالك لا تگرب يمي....يو هو....الحيل..الحيل ...يوهو...المهر كحيل..كحيل...متغاوي وعگالك مرعز...وحزامك فضه مرصع...وبالشوك احلام اطرز...ياغيم التسگي يريع” هكذا انت ايها الكوكب هنا في قلوب الناس وهناك في قلب غربتك صوت لحزب الفقراء وثورتهم.

حين نتكلم عنك لابد لنا ان نبحث عن كوكب آخر غير الارض لعلنا نجد فيه من يعدل ابداعك، انسانيتك، موسيقاك الملائكية المتجذرة في اعماق الارض والحضارة وعقول الناس، وحين نتذكر سيرتك وما أثراها من سيرة ومسيرة لابد ان يجتمع معنا من نهلو وتشربوا وتشرفوا بمجدك الموسيقي وما أكثرهم شعراء ومطربين وأصدقاء مهنة ورفاق محنة” ذياب كزار، مائدة نزهت، كامل العامري، سعدون جابر، زهير الدجيلي، حسين نعمة، كريم العراقي، قحطان العطار، رياض النعماني” كريم منصور” والكثير من الاسماء الكبيرة والشاخصة في عالمي الادب والفن وعذرا لمن خانتني الذاكرة وتجاهلت تدوينهم، وكذلك العديد من محطات المنفى التي كنت فيها الخطيب والحبيب في قلوب من شاركك ذلك الوجع، ولكنك في غربتك لم تعاني فراق مدينتك و ناسك فقط، بل نزل عليك خبر تهجير عائلتك بتهمة التبعية وعلى رأسهم والدك المرحوم حمزة الشاني وزوجتك وولدك اسامة وشقيقك عزيز وعائلته، لتجد نفسك تحت طائلة تهمتين اليسار والتبعية كما ذكر ابن مدينتك الشاعر والقاص عبد شاكر على صفحته الشخصية، ولكنك كالطود الشامخ والنخل الباذخ بالعطاء صرخت بصوت موسيقاك الهادر” صار العمر محطات عديتهن مامش عرف...صار العمر محطات خفت انشد بلايه عرف...عديتهن ماظل عرف” بعد فقدان الوطن محنته الاخرى فقدان الأهل، الأب والأخ والزوجة والابن فيزداد صوته غضبا ووجعا:” گالولي كل الليل يلتم ما يطفيك...گالولي كلك حيل والهم مايمض بيك...ويا فشلة الملهوف ويدور هله..محطات...ويافشلة الملهوف ومايندل هله...محطات...يا عيني يا ديرة هلي...يا روحي يا جنة هلي”... وها انت تعود للاهل، لترافق اطفال البصرة بل طيورها اللذين ذهبوا ضحية حادث سير بيوم وداعك وتشاركهم رحلة الخلود لتنسيهم وحشة السفر بموسيقاك وانت تغني لهم “ يا أطفال البصرة يا حلوين” وسوف يرافقاك ابو سرحان ومائدة نزهت وتغنون لهم سوية:” همه ثلاثة للمدارس يروحون....بيهم حبيب الروح شوفيهم يمرون...شوفي داده شحلاته ....شحلاته”.

من أي كوكب انت ياكوكب ؟

من أين نأتي بكوكب آخر يا كوكب؟

عرض مقالات: