اخر الاخبار

 امسك موظف الجوازات بيد غليظة الختم، دقه بغير اكتراث، أومأ برأسه محييا في صمت، انتظمت في مشيتي وسط حشد صاخب من البشر، انفتح أمامي بهو متسع، انتصبت فيه قبة زجاجية تتلألأ في المنتصف بأضواء زاهية، تحجب خيوط شمس الظهيرة الغاضبة، حتى شمس النهار تريد أن تهاجر يا أمي،الوضع لا يطمئن، فبرودة المكان شيء لم اعهده في حياتي، تهب تلسع وجنتيَّ في قسوة، إلى جواري صبي صغير بدا منفعلا، تحرر من قبضة أمه، قائلا في دلال :” أريد واحدة منها “، وأشار بإصبعه ناحية واجهة من البلور المضيء، علتها يافطة كتب عليها بأحرف أجنبية مختصرة،ومن داخلها وقفت فتاة في ثياب قصيرة تلوح بابتسامة ملائكية، تعدل من خصلات شعرها الأحمر في كبرياء،لا أعرف إلى أين اساق يا أمي، لكني مجبر على ذلك،البرودة لا تطاق، لن اترك نفسي على عمايتها، تلكأت في مشيتي متعللا بتعديل هندامي الذي بدا مضحكا يا لقسوة الفقر،غير أن ضجيج الأطباق، صوت الملاعق تلحسها في عنف، رائحة الطعام تختلط بكل شيء تستفز معدتي الخاوية، افتقد يدك يا أمي تحمل طبق القلقاس، ونظراتك الحانية تشبعني، فصنف أولئك الذين تراصوا حول الطاولات، قد انخرطوا في ضحكاتهم، تتأرجح أرجلهم دون كلفة ليسوا مثلنا يا أمي، فهذا المكان لا يقوى على الاقتراب منه شيخ البلد، ولا حتى بكري خولي الأنفار ولو باع جلبابه السكروته، البرد حيوان متوحش يمرر طرف لسانه فوق جلدي.

لم ينجدني غير شواهد عالية قادمة عن بعد، هذه الوجوه أعرفها جيدا، لا أخطئها،هي مثلي غريبة حتى وإن أظهرت بعض الغرور، تقدمت منهم حييت في تلطف، ابتسم كبيرهم وهو يجر حقيبته بلونها الأزرق الكالح، فجأة تراجع عن حميميته وسحب ابتسامته، هز رأسه مختالا بعمامته البيضاء المكورة في إحكام،وقد تصلبت عروق رقبته في تشنج،بادرته على عجل: “الكويت إن شاء الله”، قال في تحشرج: “أيوه”،سريعا غاب عني في نظرة شهوانية مفضوحة، تتحسس أجساد النساء المارة،لم يكترث لوجودي، فزفرات صدره الملتهبة، ومصمصته العالية، ولكزه صديقه بيد متصلبة،وهو يقول: “النسوان حظوظ يا واد عمي”، شيء يؤسى له، تابعت سيري يا أمي، مع صحبة لا تقل في بؤسها عني، الفارق بيننا، أنني وافد جديد سيؤول مآله عما قريب لثور مغمى.

عرض مقالات: