الغربان
المصيادة الذهبية ، هكذا وصف رفاقه الأطفال مصيادته ، واعترفوا بأنه أفضل صياد في المخيم . وفرح ليث لهذا الاعتراف ، وأراد أن يفرح به جده ، فقد أخبره جده مراراً ، بأنه كان في شبابه صياداً ماهراً . لم يفرح الجد ، بل حدق في ليث ، وقال : إذا أردت أن أفرح يا بنيّ ، فلا توجه حجارة مصيادتك نحو العصافير ، بل نحو الغربان . وفرح الجد ، فقد كفّ ليث عن توجيه حجارة مصيادته نحو العصافير ، وراح يوجهها نحو .. جند الاحتلال .
حجر .. حجارة
سأل المعلم تلاميذه : ما جمع حجرة ؟
وتسابق أكثر من تلميذ للإجابة بصوت مرتفع : حجارة .
وابتسم المعلم على الرغم من ضجيج تلاميذه ، ونهض ليث من مكانه ، وقال : أرجوك أستاذ ، اسمح لي أن أستخدم الحجارة في جملة مفيدة .
فردّ المعلم قائلاً ، وهو مازال يبتسم : استخدمها يا ليث لكن ليس هنا في الصف .
وعند الخروج من المدرسة ، لم يستخدم ليث وحده .. الحجارة ..وإنما استخدمها معه جميع رفاقه ، في رجم جند الاحتلال .
القسمة والضرب
تأخر ليث في العودة من المدرسة ، وقد قلقت أمه عليه ، ولما رأته مقبلاً ، وحقيبته الجديدة فوق ظهره ، أسرعت إليه باشة ، وقالت : تعال يا عزيزي ، حدثني عما تعلمته اليوم . فوضع ليث الحقيبة جانباً ، وقال : تعلمت القسمة والضرب . وضحكت الأم قائلة : القسمة والضرب ! لكن هذا هو يومك الأول في المدرسة .
فرد ليث : لم أتعلمها في المدرسة .
وفغرت الأم فاها مندهشة ، فتابع ليث قائلاً : لقد تعلمتها في التظاهرة ، التي شاركت فيها مع رفاقي الأطفال ، فقد قسّمنا الحجارة بيننا ، وضربنا بها جند الاحتلال .
وأنت بنت
توسط ليث رفاقه الأطفال ، وبعينيه الطفلتين ، راح يتأمل سماء المعركة المضببة ، المرصعة بمئات الحجارة ، وفجأة خرّت قربهم قنبلة غاز ، فأسرعت ليلى إليه ، وقالت : ليث ، عد إلى البيت . لم يلتفت ليث إليها ، بل مدّ يده ، والتقط حجراً ، وقال : دعيني ، مكاني هنا ، بين رفاقي الأطفال .
احتجت ليلى : أنت صغير ..
فقاطعها ليث : وأنت بنت .
ولاذت ليلى بالصمت ، فرفع ليث يده بالحجرة ، ورماها بقوة ، فانطلقت مع مئات الأحجار ، باتجاه النجمة السداسية .
الحرية
حين عبرت الحدود ، أوقفني جند مدججون بالسلاح ، وسألني قائدهم : إلى أين ؟
فأجبت : إلى المخيم . ابتسم القائد ابتسامة صفراء ، وقال : عودي ، إنهم إرهابيون ، ولن يفهموك . وحدجته بنظرة صارمة ، وقلت : إنهم يقاتلون حتى الموت من أجلي ، فكيف لا يفهمونني ؟ ماتت ابتسامة القائد ، وقال : آسف ، يجب أن أحميك . وأشار إلى جنده المدججين بالسلاح ، وقال : خذوها.
ولكي يحميني قائد جند الاحتلال من الإرهابيين ، وضعني في زنزانة لا يدخلها ضوء النهار ، وتغريد الطيور ، وعبير الأزهار.
أنا أعترف
عدت إلى البيت ، بعد الظهر ، حاملاً حقيبتي المدرسية . واستقبلتني أمي بوجه متجهم ، وهمست لي قائلة : جدك غاضب منك . ونظرت إليها متسائلاً ، فقالت : لقد علم بأنك لم تذهب اليوم إلى المدرسة . ودخلت على جدي ، وكان كالعادة متمدداً في سريره . وما إن رآني حتى أشاح بوجهه عني ، فوقفت أمامه ، وقلت : أنا أعترف يا جدي ، لم أذهب اليوم إلى المدرسة . وصمت لحظة ، ثم قلت : إن أبي قي المعتقل ، وأنت في السرير، وأمي في البيت ، فمن منّا يشارك الآخرين في رجم جند الاحتلال بالحجارة ؟ وعلى العكس مما توقعت ، اعتدل جدي منفرج الأسارير ، وقال : لابد أنك جائع الآن ، اذهب إلى أمك ، وقل لها أن تعدّ المائدة ، سنتغدى هذا اليوم معاً .
نحن نزرع
جلس الطفل تحت الشجرة ، يراقب جده ، وهو يزرع شتلات الزيتون . وتوقف الجد لحظة ، يمسح العرق عن جبينه ، فقال الطفل : للأسف يا جدي ، أنت تزرع أشجار الزيتون اليوم ، فيقلعها غداً جند الاحتلال . وقبل أن يعود الجد إلى عمله ، قال : لا بأس يا بنيّ ، وليشهد العالم ، بأننا نزرع وهم يقلعون . فهبّ الطفل من مكانه ، وأخذ يزرع مع جده شتلات الزيتون .
حفنة من الحجارة
مرضت ذات يوم ، وبقيت مدة طريح الفراش ، لم يزرني خلالها واحد من أصدقائي . ومهما يكن ، فقد قررت أن لا أعاتب واحداً منهم ، فمن يدري ، لعلهم لم يعلموا بمرضي . وفي إحدى الليالي المقمرة ، وبعد أن نام كل من في البيت ، أغمضت عينيّ عليّ أرتاح ، وإذا أحبّ أبطال قصصي يلتفون حولي ، البلبل والحمامة والقطاة ودبدوب وسنجوب والعمة دبة وقيس وزينب ، وعدد من أطفال الحجارة وليث وملك الريح نفسه.
وقد جاءني الجميع بهدايا جميلة ، فرحت بها كلها ، لكن أكثر ما أفرحني ، هو هدية أطفال الحجارة ، نعم ، فقد أهدوني حفنة من حجارة فلسطين ، صحيح إنني عندما فتحت عينيّ ، لم أجد أحداً حولي ، لكني كنت في منتهى الراحة ،حتى لقد شعرت بأني شفيت تماماً ، فأغمضت عينيً ثانية ، وسرعان ما استغرقت في نوم هادىء عميق.