الشعب العراقي شعب خلاق وهذا الأمر لا يحتاج الى برهان فأمامنا التاريخ وصفحاته التي تمتد لأكثر من عشرة الآف سنة وفيها نقرأ كيف أبدع أجداد العراقيين أول حضارة في التاريخ وهي الحضارة السومرية، العراقيون إبتكروا الكتابة بالخط المسماري ومنذ تلك اللحظة إبتدأ تاريخ البشرية ودونوا بالكتابة أساطير الخلق وسطروا الملاحم وهم من بنوا عتبة الأديان بأساطيرها ومعتقداتها وطقوسها ومنهم تعلمت البشرية ما هو الدين ومن هو الخالق ونقلوا حرفيا وتناصا كل ما ذكره السومريون من إرث معرفي وعلمي وديني هذا الأمر لم يقتصر على الشعوب بل تغلغلت آراؤهم وأفكارهم وتصوراتهم في كل أديان الشعوب الأرضية منها والسماوية. لقد إعتقد بعض الباحثين والعلماء أن السومريين ليسوا بشرا كباقي البشر بل إن كائنات غريبة هبطت من كوكب بعيد يدعى نيبرو وهم ما يطلق عليهم بالأنانوكي إستقروا في أرض سومر وأريدو وهم من عمل على تغيير شفرات خلايا السومريين الوراثية ( DNA ) ليجعلوا منهم كائنات خارقة، مع أن العلم الحديث لا يتفق مع هذا الطرح، لكنهم حقا خارقون وإلا كيف إستطاعوا أن يبنوا تلك الحضارة العظيمة رغم بدائية الحياة في تلك السنين والهجمات المستمرة التي يتعرض لها عدد من الاعلاميين لكنهم بعد كل إنكسار وهزيمة يعاودون الإنبعاث من جديد ليبنوا حضارات جديدة في هذه البقعة من العالم التي تسمى العراق كالأكدية والبابلية والآشورية ليبقى العراق طيلة عشرات القرون من عمر البشرية مركز هذا الكون وبؤرة الإشعاع التي لم تنطفىء يوما.. تاريخ العراق حافل بالأحداث فلم يمر عام أو شهر أو يوم دون أن يكون هناك حدث فيه. لقد تكالبت عليه الأقوام الأجنبية وتعرض الى إحتلالات ودمار وخراب لم يشهد بلد آخر في الكون مثل ما شهد.لم تظهر قوة أو إمبراطورية في أية بقعة في العالم دون أن تمر في العراق وتعبث به وتحاول فناء شعبه لأن سر بقائها يعتمد على خراب هذا البلد والكل يتذكر ما عملته بلاد فارس في العراق، الى موجات المغول والوحوش البشرية القادمة من أواسط آسيا ومن بلاد الأناضول من العثمانيين الذين إستوطنوا هذا البلد قرونا من السنين، وتم جلاءهم ودحرهم على يد القوات البريطانية في الزمن الحديث عام 1914 لتمتد حقبة الإستعمار البريطاني قرابة الخمس عقود. لم يحكم العراقيين حاكم عراقي إلا في عام 1958 في ثورة تموز التي قادها عبد الكريم قاسم، وبدأت سلسلة الإنقلابات الدموية في شباط عام 1963 وما تلاه من سنين ليحكم العراق من قبل حزب البعث في تموز عام 1968 ويبقى مدة خمسة وثلاثين عاما أسيرا للدكتاتورية والحروب الدموية التي أكلت جيلا من شبابه، لينتهي هذا الوضع عام 2003 بسقوط نظام البعث على يد الإحتلال الأمريكي وفرضه نظام المحاصصة الطائفية والعنصرية في هذا البلد. طيلة هذه الآلاف من السنين كان العراقي يمر، في أوقات معينة، بحالة من السكون مراقبا الأحداث بعين بصيرة وما أن يجد الفرصة مناسبة حتى ينتفض ليقول لكل العالم بأنه حيّ لا يموت، هذه الإنتفاضات والثورات العراقية مدونة طيلة مسيرته التاريخية وآخرها ما حصل في تشرين عام 2019 وما زالت هذه الإنتفاضة قائمة حتى يومنا هذا لأن أسبابها ما زالت موجودة ومتفاقمة، والقوى الممسكة بزمام هذا البلد وتحكمه منذ عشرين عاما بنظام فاشل فاسد مدمر يفكك الدولة العراقية ولا يبنيها، نظام قائم على المحاصصة الطائفية المذهبية والعنصرية القومية فتوافقت بعض أحزاب الإسلام السياسي الشيعية والسنية وبعض القوى السياسية والأحزاب الشوفينية الكردية والكل كارهون للعراق ولتاريخه وحاضره ومستقبله فحصلت أكبر جرائم الإرهاب في التاريخ وتمت سرقة المال العام في وضح النهار من دون خوف من رقابة او حساب وتم تمزيق النسيج الإجتماعي وتحويله الى كانتونات طائفية وعرقية الغرض منها إلغاء وجود العراق ومسح إسمه من التاريخ والجغرافيا. الشعب العراقي لم تنطلي عليه هذه المؤامرة فانتفض في تشرين عام 2019 بمسيرات مليونية أسقطت حكومة عادل عبد المهدي البائسة، لكن القتلة لم يلقوا بأسلحتهم وجاءوا بالكاظمي رئيسا للحكومة فكانت هزيلة وضعيفة وفاسدة واللصوص والقتلة والعملاء خرجوا من باب حكومة عادل ودخلوا في زمن الكاظمي من الشباك ومارسوا الدور القذر نفسه وما زالوا يعبثون بالوطن حتى في زمن السوداني الذي شكل حكومته تحالف الدولة من الطائفيين السنة والشيعة والشوفينيين الأكراد، فكان الشعب لهم بالمرصاد وفي صراع دائم معهم وقد قدم الشعب أكثر من ثمنمئة شهيد وأكثر من عشرين ألف جريح. لقد إستطاع هؤلاء المجرمين أن يدسوا بعضا من عناصرهم بين شباب تشرين ووضعوهم في الواجهة على أنهم قادة هذه الأنتفاضة وقد إنطلت هذه اللعبة الخبيثة على بعض الجماهير وتم إنتخابهم في مجلس النواب ولكنهم أثبتوا أنهم أسوأ كثيرا من الطائفيين وباعوا تضحيات شهداء تشرين بثمن بخس ولا صوت لديهم الآن لأنهم مصطفون خلف أسيادهم العملاء. ان الإنتفاضة مستمرة وتستعر في ضمائر ووجدان الشعب العراقي وإن ظنّ العملاء المخربون أن الإنتفاضة قد إنتهت فهم واهمون فالشعب حاليا كله تشريني بإستثناء قطيع من المنتفعين من الأحزاب الدينية والشوفينية التي تمسك بالسلطة وبالمال العام. لقد تراجع العراق بوجود هذه المسوخ السياسية التي تمسك بالبلد عشرين عاما وتقدمت عليه حتى الشعوب البدائية في أفريقيا. لكن ما سيصحح الوضع ويعيد العراق على سكة الحياة والحضارة ويدفن وجوه الطائفيين والشوفينيين، وبالقانون، هم التشرينيون. المجد لإنتفاضة تشرين في سنتها الرابعة..

عرض مقالات: