من المسلم به ان لا شعب يموت .. وان حيوية أي شعب تستند بفعلها على مؤهلات حقيقية ؛ ماثلة واحتمالية. وانتفاضة تشرين ـ في أعلى شراراتها ـ لم تستنفد وقود طاقتها الحيوية .. ان الانتفاضة من أول شرارة لها في الوعي الشعبي حتى آخر تشظٍ غدار ، ظلت شعلة تضيء زمن العراق ، وستبقى كذلك مصدراً ملهماً لقوى التصعيد الوطني.

ان القوى المنظورة المحفزة لديمومة الانتفاضة ـ لاحقاً ـ توفره الجموع ذات الاستعداد المؤكد لتنشيط الدور الثوري للانتفاضة؛ يتمثلون الآن بأكبر قطاعات الشعب تضرراً وشباباً ؛ وهم :ــ (الطلاب الدارسون ، الخريجون العاطلون ، الشباب من القطاعات جميعاً ، ممن لا يحملون تحصيلاً علمياً ، العاطلون عن العمل من جميع الأعمار ومن الجنسين).

اما القوى غير المنظورة (الاحتمالية) فتتمثل بـ (المتقاعدين من جميع القطاعات، والعمال الاجراء في القطاعات الاقتصادية والصناعية والخدمية ، والموظفين من ذوي الدخول المحدودة ، والجماعات من حملة الشهادات العليا الذين لم يجدوا وظيفة ثابتة لهم) .        

وثمة عوامل مادية مباشرة تساعد على تأجيج وتجديد حركة الانتفاضة ضد مجمل ما يحصل في العملية السياسية الحالية ، منها :   

ـ المعارضة المنظمة في الداخل والخارج ، التي لها دراية مباشرة بالقرارات الأمريكية المتعلقة بالعراق ، والمنطقة كلها وهي تحس بتحول الرأي الامريكي نحو تعطيل التجربة السياسية الحالية في العراق.        

ـ المعارضة الداخلية للأحزاب المدنية ـ اليسارية خاصة ـ ، التي تمارس ضغطها الاعلامي الكبير على السلطات المهيمنة ، خدمة للعمل الديمقراطي المؤمل نشره في العراق.                                     

ـ الانقسام والتعارض بين المصالح الأمريكية وقوى التحكم الخارجي في العراق، وهو ما سيولد تضارباً بالمواقف بين القوى الداخلية الراعية للاحتلالين الامريكي والايراني. وهذا الانقسام سيشجع القوى الوطنية لأخذ دورها بتهيئة الناس ضد الفساد والدعوة للثورة عليه.    

ـ الموقف العربي يتحول تدريجياً لصالح القوى الوطنية الداعية للعدالة والتقدم.               ـ الحيف الذي يزداد كل يوم عمقاً وافتراقاً مع مصالح فقراء العراق.

ـ الجو الاعلامي الثقافي والشعبي الذي وصل الى أهم حقيقة واقعية ، هي :

ـ التجاهل والتسفيه و(التغليس) على مصالح الشعب ، باستمرار الفساد والنهب ، وتوقف التنمية والمشاريع الاقتصادية ، سيعملون على الاسراع نحو التغيير السياسي والاقتصادي، وهو العامل الحاسم بيد الانتفاضة حتى الآن ، والذي سيكون مبررها في الوجود والضغط على السلطات الحاكمة ، الآن وفي المستقبل ، وستستغله (قوى تشرين) لصالح التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، وهو أمر حتمي ، حتى لو تأخر قليلاً.

* ما تقدم تسنده فواعل أُخرى غير منظورة ، غير مقاسة ، لكنها موجودة ، وستكون فاعلة حتماً ، منها :

1 ـ هناك احتمال كبير ان يُعاد النظر بسياسات الدول المجاورة خوفاً من العقوبات الاقتصادية ، او خوفاً من معاداة شعب العراق ان تغيرت المنظومة السياسية لصالح القوى الوطنية التقدمية ، مما يعطي فرصة لتقوية قوى انتفاضة تشرين ، واضعاف قوى النهب والدمار العراقية المحتكرة للسلطة والمال.

2 ـ ثمة عامل ينمو ببطء هو محاولات من داخل السلطة لتخفيف حدة وحجم السرقات المالية ، سيوفر هذا شكلاً بدئياً ومساحة مؤثرة في الانتخابات القادمة لصالح ثوار تشرين.       

3 ـ توجد اتفاقات حاصلة على موافقات معنوية لتوحيد قيادات ثوار نشرين ، وقسم منها تبلور على هيئة أحزاب مدنية!.  

4 ـ تعاظم دور الجيش والشرطة قد يقلل من تعاظم قوى المليشيات ، ومثل هذا الظرف سينحاز لصالح قوى التغيير التشرينية.   

5 ـ ان الثقافة والأدب الآن مهيآن ليسهما في تبني الوعي الجديد ، وليصيرا فكراً وطنياً ثابتاً في ضمير الأُمة العراقية ، وهو ما يجعل قيمة تشرين عملاً خالداً، يتجدد ولن يهدأ ، طالما صار رسالة الضمير العراقي للمستقبل المحلي والاقليمي للبلاد والناس.

 من المؤكد ان كل هذا سيكون دون جدوى ما لم توفر الظروف الاتية :                

 ـ بث الوعي في المؤسسات التعليمية كلها ، ليصل الوعي بالحاجة للاستقلال والكرامة والرفاهية (حد) ان يكون راسخاً ثقافياً وطقساً اجتماعياً لا يمكن خرقهما بالتضليل والاغراء، ولا يمكن ابتزازهما بالتهديد والاضطهاد. 

ـ ان تحاول قوى الانتفاضة جذب تفاعل بعض القوى الدينية والشعبية ، التي توالي الاحزاب الحاكمة ، وتسحبها الى جهة الثورة والمواقف الوطنية التحررية.

ـ لابد من التوجيه الثقافي للمواطنين جميعاً لإعادة النظر في انتماءاتهم السياسية الحالية ، بمقارنتها بمثيلاتها في الدول المتطورة ، ذات الاقتصاد المتين نوعياً  وصناعياً وتجارياً.

ـ العودة الى الانترنيت لتجديد النشاط التوعوي ، والاستفادة من المتخصصين الشباب لاستثمار الوقت وشبكات التواصل الاجتماعي لإثبات حق الناس كلهم ، بالمشاركة بإدارة البلاد ، والتمتع بخيرات العراق.

ـ الضغط على الحكومة والبرلمان باتجاه توظيف الشباب بمؤسسات الحكومة ، وهم سيكونون يداً جديدة تساعد على البناء ، سواء كان ذلك عبر المؤسسات او خارجها.                                   ـ شن حملة عالمية جديدة لفضح جرائم المنظمات الارهابية في داخل وخارج مؤسسات الدولة ، وللتمهيد في دخول القوى الوطنية المُحَرَّم دخولها حالياً الى العراق ، ليدخلوا كثوار مساندين لقوى التغيير التشريني الصاعد!.

ـ عقد اتفاقات مكتوبة بين القوى المتحالفة على نصرة ثورة الشعب القادمة حتماً ، يكون مضمونها ؛ وحدة توجه وتنسيق وتحرك هذه القوى ، بحيث لا ينتج العمل الثوري ـ لاحقاً ـ ضحايا وشهداء.  

ـ تهيئة جهاز اعلامي متخصص ، موحد الخطاب ، يكون لسان حال الثورة الشعبية المتوقعة، لا ينشغل بالجزئيات التي لم يحن أوانها، والتركيز على الأهداف الكبرى ، وأولها : لا للعنف بكل أشكاله.

ـ اشراك المرأة بالنضال ضد قوى التسلط الحالية ، بنسبة (المناصفة) ، لتكون الثورة مبنية على حرية حقيقية ، ومبادئ سامية مؤكدة.

ـ وضع خطة ـ احتمالية ـ للاقتصاد والتنمية الاجتماعية ، بخطوط عريضة لاستثمار وقت البلاد بما يفيد ويطور.                   

ـ ولا بأس من تأسيس مجلس سياسي أعلى ، يقود النشاط القيادي للثورة ، ونعتقد ان مثل هذا المجلس قد تشكل ويحتاج ان يضم قوى المعارضة الداخلية فقط!..  

* ختاما لنا ثلاثة آراء نراها مهمة ، هي :

1 ـ الحصول الحتمي على مشاركة ومباركة قوى كردية وأثنية تقدمية ، من خارج منظومة السلطات. 

2 ـ الدعوة الى مشاركة القوى الوطنية (القومية المستقلة) للمشاركة الحتمية بالثورة.  3 ـ من الأفضل ان تكون مساهمة اليسار العراقي من داخل البلاد وخارجة أكثر من النصف ، بجميع المنظمات والمؤسسات والتشكيلات الخاصة بمستقبل الثورة العراقية ، إذ أعتقد ؛ بان هذا الشرط هو الأساس الذي يضمن عدم انحراف الثورة عن خط ومصالح الشعب.

* المجد لشهداء ثورة تشرين..

* النصر لثوار شعبنا القادمين..