في العمل المسرحي (صفصاف) الذي عرض على خشبة مسرح الرشيد مؤخرا، وهو من تأليف ودراماتورج علي عبد النبي الزيدي وتمثيل نخبة من فناني ذي قار، انطوى على جدل واضح في تناول فعل الصدمة للواقع المحمل بشحنات الألم عبر عقود متواصلة، إنها شحنات رمزية مثقلة بالوجع وبالأضطراب الذي اعتدنا عليه لسنوات طويلة، غير ان لعبة (الدراماتورج) التي ارادها (الزيدي) اخذت طابعاً شمولياً في وحدة العرض، بخاصة اذا ما اخذنا بنظر الأعتبار انه (فن التكوين الدرامي)، فهو إذن (دراماتورج) خالص شامل لكلية العرض (تأليفا وإخراجا ونصا أدائيا)، (وفي بعض الأحيان يقوم الدراما تورج بدور المؤلف في حالة تغييبه لسبب او لآخر) ـ كما تقول المصادر ـ ..
النزوع في الامساك بتفاصيل الأنسان الذي شهد ويلات الحروب ونتائجها وانعكاساتها وما آلت إليه اجتماعيا ونفسيا، وما جاءت به متغيرات الواقع ذاته، هو ديدن الفكرة التي اشتغل عليها (الزيدي) بل هكذا موضوعات تفرد بها واعطته هوية واضحة، ومسرحية (صفصاف) اعطت انطباعا للفكرة المطروحة عبر شخوصها الذين أجادوا الدور بمهارة عالية (سعيّد/ وحيّد/ حميّد) ـ بتشديد الياء ـ ليصبح الأسم مصغرا، و(صبريّة) و(الحاج) و(الجندي الشهيد)، ولكل واحد منهم حكايته، ومع صعود حدّة الأداء الدرامي بين الشخوص، يكشف كل واحد قصته التي رسمها الزمن عبر جغرافية الخراب ليتضح في سينوغرافيا العرض/ الشارع/ الأشارات المرورية/ الضوء الأخضر، فضلاً عن صوت القطار، المعادل الموضوعي لوحدة العرض، حيث تمضي الأحداث ويمر الزمن (40 عاما) او أكثر والرصيف شاهد على كل هذه التحولات، والأشارة الخضراء بقيت كما هي لم تعط حق العبور الى الجهة الثانية التي تمثل الحلم اليوتيوبي ، ولم تكن الأشارة الحمراء التي توسل الجميع باضاءتها قد اتقدت، ما زاد من حدّة الحوار بين الشخوص، فالرجل الذي جاء بالدراجة الهوائية محاولا العبور الى الجهة الأخرى مع ظهور صوت (لبيك اللهم لبيك) لم يتحقق ذلك (أريد ان اعبر الى بيت الله) ثم اردف قائلا (الرصيف يضيق بنا)، فـ(وحيّد وخطيبته التي تزوجت منذ 40 عاما ليأكل صابعه قلقا) و(سعيّد وزوجته التي توفيت) و(الجندي الشهيد الذي استنهضته الذاكرة عبر افتراض سردي) و(صبريّة التي نثرت رسائل حبيبها الذي لم يعد)، كلّهم ارادوا العبور الى البناية البيضاء التي بقيت علامة اشكالية يوتيوبية ..
اتضحت شخصيات العرض المسرحي (ميتة بالية رثّة منهكة هدهدها التعب والألم النفسي والجسدي)، كما يقول (د.محمد فضيل)، غير انها تمتعت بلياقة الأداء وبمهارة الحوار، الى جانب الزَيّ الذي كان علامة معبرة عن شكل كل ممثل، لنشعر بعمق الفكرة، وبكل ما جاءت به المسرحية من وحدة موضوع..
في مسرحية (صفصاف)، اتضح العنوان على جدل كبير في التعبير عن الشجرة التي لم تثمر، والتي اخذت االبعد الرمزي للأمل القادم الذي لم يتحقق، فـ(40 عاما) من الحرب والخراب والأرهاب والقتل، فهي رسالة وجودية وخطاب حياتي ما يزال ، فلم تكن لذّة الوجود التي بحث عنها شخوص المسرحية الاّ بالهوس والجنون والعبث، جاءوا من عمق الأرض وانسلخوا من فضاضة الواقع وما يحمل من تفاصيل وهلوسات معروفة، ربما لأن (علي عبد النبي الزيدي) بن بيئة جنوبية عاشت كلّ هذه التفاصيل وادرك مدى انغماسها بين الناس والكمد الذي هو ديدن الانسان العراقي ..