اخر الاخبار

ندرك جيدا  ان الكتابة للأطفال تشكل  محور احد اهم الاعمدة التي تقوم عليها ثقافة الاطفال، سواء كانت في تنمية ذائقته او صقل  وعيه عبر مده بالخبرات ، هذه الثقافة المهملة، لأسباب كثيرة ، لست بصدد تناولها الان ،  فالكتابة للأطفال ، ان كانت قصة مصورة مقروءة  او نصا مسرحيا اعد للفرجة ، ليست خيارا او تحديا تقوم به لأثبات نفسك في مشهد ملتبس، غالبا يضج بصخب الادعياء والمتطفلين ، ان كنت تحلم بان تنال لقبا يضمك الى طابور كتاب القصة ، او ان تشبع غرورك الكامن الذي  يبحث عن مكان لنفسه ، تحت الاضواء الساطعة ، لكي يستطيع الاخرون رؤيته وهو يتمطى بالشهرة.

 بسبب من اعتقاد يعوزه الكثير من التمحيص و بسوء فهم  كبير لا يمكن غفرانه، فيما يعتقد بعضهم  ان الاطفال يمكن خداعهم  بأي شيء يقدم لهم على انه قصة او نصا مسرحيا ،  في الحقيقة ، يمكن لبعضهم، ان يقدموا انفسهم على انهم كتاب قصة اطفال ،   كتابة العشرات والمئات بل الاف القصص السحرية الخيالية التي تحشد في متنها عشرات الاسود والنمور والدببة والرعاة والماعز والخيول والعربات التي تجرها الحمير والغزلان والذئاب والفقمات والنوارس وحوت العنبر والبطريق وطائر القطرس ، كتابة القصة ليست الحيوانات التي تتصارع في ما بينها ، فقصة الاطفال ليست محمية افريقية ، كما انها ليست استعراضا للقوة والشجاعة التي تصنعها الساحرة  بلمسة من طرف عصا رفيعة، كما انها ليست مدرسة يديرها معلم متزمت يطارد التلاميذ ، المشاغبين والكسالى ، ويمجد التلميذ الذكي !! طوال الوقت اقرا قصص الاطفال التي تخاطب كل اعمارهم بدأ من سن السادسة حتى مرحلة النضج ،  اكتشف ان الكاتب يتقمص دور الواعظ عبر الشخصية المحورية في قصته وهو الامر الذي يثير ملل القارئ الطفل ، فهو لا يريد واعضا اخر ينافس الواعظ الذي يقيم معه في المنزل، اباه او امه الذين يسدونه النصائح والارشادات ،  لا يريد قصة تكشف عن نهايتها  في السطر الاول ، فتفقد التشويق الذي يبحث عنه ، تذكر انه يمتلك مخيلة تستطيع خلق عشرات العوالم الموازية ، فهو يتلذذ بتحويل الفراشة الى كائن اسطوري ويرقة القز الى وحش من العصور القديمة ..الخ ، لا يريد قصة عن شجاعة كلب يدافع عن كتكوت ضال ضد هر جائع ، لا تقدم له الحياة التي يعرف ، هو ايضا يمتلك التجربة برغم محدوديتها التي تتيح له ادراك العلاقات المتشابكة بين الاشياء ، يمكنك ان تناور بدورك كمرشد وان تموه نفسك كواعظ ، باقتناصك فكرة تحقق كل تلك الادوار في آن واحد ، لأنك في حقيقة الامر  ستقدم تجربة مضافة  تصقل وعيه بخبراته المحدودة وذائقته الجمالية معا ، ببساطة، ان الاطفال  ما قبل سن التاسعة ، سيتذوقون القصص التي تنطوي على  هدف تربوي واخلاقي ، كأن نختار فكرة  تتبني خبرة ومفهوم حياتي ، من غير تعقيدات كثيرة تربك وعيه ،  عندما نخبره بها ولكن بأسلوب  لا يبدو  كنصيحة  يقدمها واعظ ، كأن نقول له ، بأن الصغير الذي لايلتزم بنصائح الاكبر سنا، حين يضرب عرض الحائط بنصائحهم ، سيتعرض للخطر بكل تاكيد!، مثال على ذلك ، سنروي قصة قصيرة تتحدث عن البطة الام ، التي طلبت من كتكوتها الابيض ان لا يغادر مكانه الامن ، خوفا عليه من الثعلب الذي يتربص به للانقضاض عليه ، ولكنه لم  يلتزم بتحذيرات امه ، اذ غادر مكانه الامن ، واخذ يعوم  في النهر وكان التيار شديدا ، رأته الافعى الشريرة التي كانت ترقد عند ضفة النهر و اخذت تراقبه وهي تنزلق في المياه ، كان الثعلب يجري على ضفة النهر يسابق التيار العنيف الذي جرف الكتكوت ، الذي لم يستطع  مقاومة التيار فجرفته المياه بعيدا ، نكتشف ان الثعلب الجائع كان يخاف العوم في المياه المتدفقة ، بينما الأفعى تجيد السباحة ولكنها لم تستطع اللحاق بالكتكوت الصغير،  سيفهم الطفل ان الكتكوت ، نال ما يستحقه لانه غادر مكانه الامن  بعد ان حذرته امه بعدم مغادرته...الخ ، عندنا “مشكلة” وتتمثل بمغادرة الكتكوت مكانه   وهذه المشكلة تحولت الى “عقدة” التيار الجارف والافعى التي تطارده دون علمه  والثعلب الذي يجري مع التيار وهو ينظر اليه كفريسة سهلة المنال ،  الاحداث بتصاعدها تقودنا الى النهاية  التي وضعها الطفل في مخيلته : الافعى ستبتلع الكتكوت !!  ولكننا امعانا في التشويق والاثارة ،  سنسرد النهاية وفيها يتمثل “الحل” بــ : تشبث الكتكوت الخائف  بطرف غصن شجرة لامس المياه المتدفقة ، نكتشف ان الافعى كانت تقترب وهي تتهيأ للانقضاض  على الكتكوت الذي شعر بالبرد والخوف من الافعى التي تقترب منه ،  نعود الى البطة الام التي انشغلت بالبحث  عن صغيرها  ، ولكنها لم تجده ، فطلبت من جارها اللقلق ان يطير ويبحث عنه ، ولأنها كانت ترشد اللقلق الى البرك التي تتكاثر فيها  الضفادع ، كانت الضفادع طعامه اللذيذ ، وجدها فرصة لكي يرد عملها الطيب معه ، حلق مسرعا في الجو ، مرت لحظات قصيرة وهو يطير  حين لمح الكتكوت الصغير وهو يمسك بطرف غصن الشجرة ،  هبط كالبرق  ، ما ان رات الافعى التي حاولت الالتفاف حول الكتكوت، اللقلق وقد انقض عليها ، هربت بالغوص في اعماق المياه ، فالتقط الكتكوت بمنقاره الطويل وطار به عائدا الى مسكنه ، اما الثعلب فشعر بالحزن لانه لم يستطع صيد وجبته الصغيرة !

-شكرا لك صديقي اللقلق!

قالت البطة وهي تحتضن كتكوتها بين جناحيها ، رد اللقلق وهو يطقطق بمنقاره الطويل:

- لا شكر على واجب عزيزتي البطة ! انت ايضا قدمت لي المساعدة !

طفل بعمر التاسعة سيفهم المغزى من القصة بعقد المقارنات بين حياته الواقعية ومخيلته والقصة المقروءة . سيدركها كتجربة مضافة تتمثل بالاتي:

1- ان تلتزم بوصايا وتحذيرات الاكبر سنا لانهم اكثر خبرة وحكمة .

2- الطفل الذي لا يلتزم بنصائح والديه سيتعرض للمخاطر التي ستسبب له الالم 

3-  قدم المساعدة متى ما استطعت ذلك فالصديق لن يبخل عليك بتقديم المساعدة ورد جميلك لأنك في احد الايام قدمت له المساعدة.

الكتابة للاطفال تتطلب حذرا ووعيا والتزاما اخلاقيا وتربويا بالمهمة التي تقدم عليها ، فالمنجز الادبي الذي يقدم لهم  ، سيتذكرونه طوال حياتهم وسيعد من الثوابت التي لايمكن ازالتها من قناعاتهم  ، مسخ براءتهم بقصص مشوهة  خطأ لن يغتفر .

عرض مقالات: