اخر الاخبار

يصدح صباحك عبر الهاتف ، صباح الخير عماد ، “صوتك نايم لو اني مغبش!” كعادتك تستهل حواراتك بالاعتذار هو صباح السبت ، نهار الفجيعة ، تطلب رقم هاتف ناشطة مدنية لتشارك في برنامج اذاعي ، وتقول انك في شارع المتنبي ، مبتهج باعادة ترميمه ، وتلقي التحية على محبيك ، وتتقبل منهم الهدايا وهي اخر واهم الاصدارات ، اذكرك بموعد يوم الاثنين حيث سنلتقي بلمة الاحباب احتفالا ببيتك الجديد !!! تردد على عجل ، سنلتقي ، اسمع لهاثك وانت تحث الخطى نحو دعوة والدتك لوليمة غداء في بيتها  ، تخبرني انك ستتصل بهناء ادور ، قد ترشدني سريعا عن ناشطة تتقن الانكليزية، اعتذر من كسلي واعاود غفوتي !!! بعد ساعات  ، يمطرني الهاتف الصغير بوابل من الرنات والمسجات ، متسائلين عن صحة الاخبار التي يتناقلها البعض ، محاولة اغتيال ؟؟ قبل لحظات كنت معه !! اعيد الاتصال بك وهاتفك مغلق !!! مثلك لا يغلق هاتفه، ولا يغلق ابوابه ، دائما مشرع النوافذ للحوار واللقاء ،, حتى في قمة صخب الاجتماعات مع مسؤولي وزارة الثقافة ، تقفز مثل طفل للترحيب ، وتردد بمداعبة ، ( زين سويت اجيت خلصتني من اجتماعات عقيمة ) ، هاتفك مغلق هذه المرة  !!! وشائعة استشهادك تتعاظم ، كل الذين اتصل بهم ، يشاطروني الحيرة والانكفاء ،  اسرعت مثل غيري نحو المتنبي متوهما ان الحادث هناك ، لكن القاتل على ما يبدو اختار شارع محمد القاسم السريع ليحتفل بموتك عبر كواتمه ، حينما اقترب من نافذة سيارتك ، وفتح نافذته مسرعا , بادرت انت بتحيته ،, متوقعا انها تحية محبين تعودت عليها في شوارع بغداد المزدحمة بالاصدقاء والمعجبين ، فقد كنت ايقونة التمدن واحد اقطاب التوازن والهدوء في الوسط الثقافي ، القاتل لم يلقي التحية التي توقعتها فقد كان يسابق الزمن لتفيذ الاوامر !! امطرك بالرصاص ، كانه ينتقم من رأس يكنز وداعة الكون وفكرا يخطط لبهجة الاجيال ، ابتسامتك بقية عصية على الذبول وعيونك المفتوحة  التي كانت تختزن سؤالا لهذا القاتل ، هل تعرفني ؟؟ وقد تنبأت بموتك في احدى رسائلك ووصاياك ، وقلت قد اكون هدفا لقاتل لا يعرفني !!! على مرمى حجر من دمك المسفوك على اسفلت محمد القاسم ، اقترب مني ضابط السيطرة متسائلا عن هوية المقتول الذين تنحبون قرب جثته !!! كتمت صرخة الاستنكار ، واختصرتك  بالملاك !! لم يفهمني ، مثلما لم تفهمك الحكومة التي عملت معها ، لكني على يقين ان قاتليك تيقنوا انك الخطر الذي يسعى لطمس ظلامهم ، وأنت المفكر المبدئي الذي ستبقى تناضل لتقديس العقل واعلاء شأن الجمال ، وستكون الامل المرتجى ، والمحب الوطني الذي تنكر لكل اغراءات التحزب والامتيازات ، حفنة اعوام ، على رحيلك ايها المعلم والصديق ، تقتنص من وقتك، وتخرج من جيبك قصاصة تضم نصا سرديا يحمل نكهة تحمل المزواجة العجيبة بين الشعر والفلسفة ، تحب ان تقرأها لي بصوت منخفض ، اكرر لك طلبي بنشرها او الاحتفاظ بها لتكون ضمن مشروع كتاب ، فتقول انها مجرد خاطرة صباحية ،, هل تذكر تلك الخاطرة عن خروف احمر ضل طريقه في باب المعظم !!! قلت لي انك اوقفت السائق وبقيت تتأمله !! بعد ان ترك القطيع متجها الى بوابة الكراج الملاصق لمجمع الكليات في باب المعظم ، كم كان نصا ساحرا! قلت انه يشبهك وضحكنا ، لم تخجل في سرد تأملاتك الفلسفية مستنطقا روح ذلك الكائن الوديع الهارب من سلطة القطيع ،, امازحك في ذلك المساء ، اخذنا غيبتك البارحة، كيف؟ جالست كوكبة من المثقفين ، واشتركنا بسؤال موحد ، كيف لمفكر بقامة كامل شياع ان يواصل العمل في هكذا اجواء مشحونة؟؟ باي اللهجات وبأي اسلوب يحاور انصاف مثقفين متخمين بالانا ، اي هدوء يحتفظ به وهو يرى حجم الخراب في مؤسسات منخورة وقطعان من موظفين بلا هدف او حلم او توجه معرفي؟ تبتسم وتبدأ بقراءة نص جديد ، عن البلاد التي حلمت ان تعود لها ، عن الموت الذي تهجس انه يطاردك ، عن سنوات الغربة في المنفى والوطن لم يعد يشبه حلم الحنين ، عن حواراتك مع الياس في بروكسل ، عن قسوة الظروف المحيطة ، تسخر بمرارة من عفونة تفكيرهم، وذلك الكره الجماعي الذي يتوحد به النقيضين فانا عدوهم الاوحد، تقول وتضحك وتردد: انهم يراهنون على موت نزعة المقاومة وفتيل الاصرار عندنا نحن عشاق الامل والبلاد والجمال. اراسلك بعد هذه الاعوام من كابوس رحيلك، كل مساء استرجع يقين هدوئك وذلك التواضع وروحك المضيئة بالحكمة والمحبة ، اقلب صورك ، واختار صورة جمعتنا في امسيات المدى في اربيل ، مع عدنان الصائغ ، ارتدينا الكوفية البغدادية ، وغنينا ،ناظم الغزالي ورضا علي وعباس جميل ، يومها قلت لي استمر بمشروعك الروائي والنقدي، ان الكتابة سحر يقيك الجنون ، مثلما افعل انا.. اتذكر في احد مجالس العزاء دفعني الاصرار لاحرجك واحكي لك نكتة عن المتدينين المزيفين، فكتمت ضحكة هائلة  وخرجت مسرعا من العزاء.

عرض مقالات: