اخر الاخبار

معلّم شيوعي واحد منفي للريف يكفي لإقناع الناس هناك برسالته، فما الذي يجعل شباباً من سوق الشيوخ والشطرة والفهود والدغارة وبعشيقة وزمّار والطار وغليوين وهم من عشائر منغلقة يسود فيها الحس الديني يتبّعون معلّما فقيرا مشمورا في اقاصي القرى، بعيدا عن عائلته؟

ليس الامر متصلا بمبدأ الدين والسلطة، او الايمان والالحاد او التدين والكفر، انه ببساطة، التوق الى العدالة الاجتماعية، التوق الى النور، التوق الى الثورة على الظالمين التي تجمع الثوار الاحرار بالأئمة والمصلحين الاطهار، مهما كان انتماؤهم.

لذلك فان فكرة العدالة الاجتماعية وقهر التمييز والعبودية والفارق الطبقي الذي يعشش في ظله الفاسدون وسراق المال العام، يسبق اي جدل فكري.

هناك من دخلوا الاسلام قبل أن يقرأوا القرآن، وقبل أن يشغلهم هل هو رسالة منزلة من السماء، ام هو رؤية ثائر قررها وقام بها، وأنتج نصوصها، كل هذا الجدل جاء لاحقا.

الذي فجّر القصة هو التحدي الشعبي للسلطة الجائرة، هو انتاج قوة تدعم الفقر مقابل الترف والعمل مقابل الكسل والعبودية مقابل الحرية والعقل مقابل الخرافة.

حدثَ في احدى القرى يوما أن أشاع رجل الدين المسمى الملّه بأن المعلم الشيوعي الذي يدرّس في مدرسة القرية، يعلمّ الطلبة الفجورَ والكفر، وانه يقول لهم ان أصل الانسان قرد! وصل ذلك الى مسامع شيخ القرية، فجمع الرجال في مضيفه واستدعى الملاّ والمعلم، سأل المعلم عن حقيقة التهمة الموجهة له من سماحة الملّه، أجاب المعلم: يا شيخنا ما أقوله ليس من عندي هذا يرد في كتاب منهجي اقرّته الوزارة، وفيه نظريات النشوء، ومن هذه النظريات نظرية التطور، وأصل الانواع، والحلقة المفقودة، وهي لعالم معروف اسمه تشارلز روبيرت دارون، ويرد اسمه في كتاب الوزارة.

التفت الشيخ إلى الملة أمام الجميع قائلا: يا مولانا انته ليش تخلقنه مشاكل، هذا عِلم، انته مالك شغله بيه، خليّ المعلم بعلمه وابقه انته وي طلابك بعلمك.

اهتزّ الملّه حينها وهو يهزم في هذه الجولة التي عوّل عليها كثيرا، فما كان به إلا أن يخطب بالجمع موجها كلامه للشيخ: شيخنا، العِلم على راسي ودارون مو غريب علينه، بس الأخ المعلم يقول عنك انته شخصيا أصلك قرد، يقول الانبياء والائمة والصحابة أصلهم قرود.

نهض الشيخ مفزوعا ومعه المجتمعون بصوت واحد، استغفر الله، لا اله الا الله، هذا ما يجوز،  وبقي المعلمّ حائرا، ماذا يفعل، وكيف يتخلص من هذه الشباك التي أوقعه فيها المُلّه..

ومع ذلك وفي مثل ذلك المناخ، كان الاتباع يتزايدون، وكل مناضل يصل الريف يثمر شبابا تواقين الى المعرفة والاصلاح والحرية.

أقول: في حياتنا اليوم جدلان منفصلان: جدل فكري مادته العقائد ونزاع المعارف. وآخر إداري مادته نظام الحكم والفساد والتنمية وخلايا العمل المتكاملة لإدارة الدولة.

الفاشلون المجرّبون يريدون خلط الاوراق على الناس، يشيعون الآن أنّ كل مدني كافر، وان انتخاب شخص غير متدين انما هو شرك بالله، في وقت لم يقدموا ادنى معايير رضى الله او سِيَرِ الأنبياء والائمة خلال المرحلة العسيرة الماضية، لانهم لا يجيدون سوى طبخ الحصى.

ــــــــــــــــــــــ

* موقع “كلمة” الالكتروني