جرى مؤخرا جدل واسع ورفض لنقل نصب “سيدة بغداد” للفنان محمد غني حكمت من موقعه الأصلي في ساحة الأندلس الى ساحة المتحف في منطقة علاوي الحلة، في اجراء اتخذته امانة بغداد دون الرجوع للجهات الفنية المختصة، الاستشارية منها والتنفيذية مثل وزارة الثقافة ودائرة الفنون التشكيلية فيها واللجان الفنية الأخرى.
وقد بررت الأمانة اقدامها على هذه الخطوة بالحديث عن اختناق النصب في ساحة الاندلس، وفقدان أهلية التلقي نظرا لارتفاع قاعدته المبالغ فيه ضمن الفضاء غير الملائم في الساحة حسب قولها، وتأكيدها على ملاءمة المكان الجديد.
ولا بد من التساؤل عما اذا كانت الأمكنة قد ضاقت على الأمانة لكي تضع هذا نصب “سيدة بغداد” فوق نصب آخر هو نصب “السفينة” (في العلاوي) للفنان خالد الرحال، على الرغم من غياب الانسجام المضموني والتقني الضروري في النصب، مهما كانت الأسباب التي اوضحها بيان أمانة بغداد الداعي الى رفع كل الأعمال النحتية المصنوعة من خامات مجاورة للبرونز والحجر مثل (الفايبر كلاس). كما ان العملية يجب أن تتم بالتروي وبالاتفاق مع الفنان حول امكانية استبدال خاماته بالبرونز أو استشارة الجهات المنفذة على أقل تقدير.
من جانب آخر اقدمت الامانة على رفع تمثال “سيدة بغداد” وحده وأبقت على قاعدته، التي لها علاقة جدلية مع النصب. فهي تحمل أبياتا خالدة من قصيدة الشاعر مصطفى جمال الدين، التي تتغنى ببغداد وتتغزل بها وتصفها بأجمل الأوصاف رغم تكالب المحن عليها .
أن الارتجال الملحوظ منذ عقدين من الزمان في ملاحقة الأعمال الفنية وتحطيمها، دون مراجعة نقدية وفنية لما يجب أن يكون، يعود الى تداخل المهام والصلاحيات بحيث تعتقد كل جهة انها هي المسؤولة عن الأمر. فضلا عن ان هناك موقفا مسبقا من هذه الأعمال، الامر الذي سبب ارباكا وامتعاضا في الأوساط الفنية المختصة، التي عرضت خبراتها في أكثر من مناسبة على الأمانة من أجل أن تكون بغداد أجمل. وذلك هو الهدف الذي يسعى اليه جميع المؤسسات والأفراد الذين يعلنون تضامنهم مع دعوة الأمانة لتأثيث ساحات بغداد وفضاءاتها بالنصب والتماثيل والجداريات، انما بالطريقة التي تحقق الوظائف الجمالية بعيدا عن الفوضى والارتجال من قبل القائمين على تنفيذ هذه المهمة .
لذا فان مراجعة هذا التوجه غير المبرر واعادة الأمور الى وضعها الطبيعي هو الأفضل، ولابد من التفكير بحلول أخرى أكثر جدوى، كأن تدعو الأمانة الى مسابقات فنية لتأثيت الساحات والفضاءات المتبقية في بغداد، واعادة الرونق والمهابة اليها وهي التي حفلت طويلا بالابداع العراقي .