اخر الاخبار

لم تكن فكرة تأسيس الحزب الشيوعي العراقي، رغبة عابرة، أو ملء فراغ لمشهد سياسي يتطلب ظهور حزب من شاكلة أحزاب “طنجرة الضغط” التي نشاهدها اليوم بفعل رغبات شخصية، أو حاجة عابرة سرعان ما يتلاشى  بصيصها ما أن تنتفي الحاجة لظهورها، بل كانت لحظة تأسيس الحزب ضرورة حتمية أملتها ظروف سياسية معقّدة وشعور تنامى بقوة لدى الرفاق المؤسسين الأوائل لوجود حزب من طراز خاص لم يشهده الوضع السياسي القائم آنذاك، حزب طبقي يعبّر عن لسان الكادحين العراقيين والطبقة العاملة التي كانت تعاني من ظلم واضطهاد وغياب العدالة الاجتماعية وسطوة التمايز الطبقي الذي حرّم الغالبية العظمى من الشعب العراقي، سيما العمال والفلاحين والكسبة وشغيلة اليد والفكر من حقوقها الأساسية والمطالب الملحة لتحقيق العدالة الاجتماعية الغائبة تماما والتي من شأنها أن تمكّن المجتمع العراقي من  العيش بروح المواطنة الحقيقية وتبعد العراق من الاصطفاف الى جانب قوى الاستغلال والاحتكار ونهب الخيرات وربط الوطن بأحلاف استعمارية جعلت مستقبل البلاد وآمال الشعب المحروم بيد حفنة من الخونة الذين رهنوا وطنهم بيد الأجنبي.

إزاء كل تلك الظروف والملابسات المعقدة، برزت الضرورة لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي، الذي سرعان ما التفّ حوله وانخرطت في صفوفه أفواج من الذين استهدفهم الحزب وتأسس من أجلهم من شغيلة مضطهدة عانت من حرمان لا يمكن وصفه من الاحتياجات الأساسية لمتطلبات الحياة الحرة الكريمة وتحرير البلاد من هيمنة المستعمر الأجنبي، فكانت تلك المبادرة المباركة والشجاعة، لتأسيس الحزب بقيادة مجموعة من الوطنيين الأحرار الذين نذروا أنفسهم لخدمة وطنهم رغم الصعوبات التي كانت تحيط بهم من سلطة الحكم البوليسي الذي كان يشدّد وبقوة على معاداة الفكر الشيوعي ومعاقبة كل من يسعى لتبني الفكر الماركسي اللينيني، لأنهم كانوا على بيّنة بأن ظهور مثل هذا الحزب سيهز عروشهم وسيؤرقهم، سيما أن قوى الاحتكار العالمي هي من تدفع ساسة العراق على التشدّد وملاحقة كل من يقترب مع ذلك الفكر النير والذي سيفتح آفاق جديدة في طبيعة العمل السياسي الفاعل والمنتج والذي سيهز عروشهم الهزيلة، فلا غرو اذن أن يجنّدوا طاقاتهم وكل عملائهم لمحاربة الرعيل الأول من الابطال الشيوعيين الذين اعتبروا انفسهم مشاريع تضحيات مهما كلفتهم تلك التضحيات من نتائج، وهم يعلمون جيدا بأن تبني مشاعل هذا الفكر النضالي والعلمي والطبقي الحقيقي الرافض لكل أنواع الاستغلال والهيمنة وربط البلاد بالعمالة للأجنبي، سيكون ثمنه باهضا، وهذا ما وقع فعلا من تقديم جحافل الشهداء على مذبح الحرية، بعناد وشموخ وإيمان لا يتزحزح بانتصار هذا الفكر النيّر عاجلا أم آجلا، وهكذا كانت الكوكبة الأولى من الشهداء الميامين، الذين أذهلوا الجلادين بصمودهم وإيمانهم المذهل بالفكر الشيوعي، دون أن يتخاذلوا أو يهادنوا أو تبرد جذوة تعلقهم بالفكر الشيوعي العظيم.

فكان المشهد الذي ظل وسيبقى خالدا في ضمائر العراقيين، شيوعيين وغيرهم، وكل أحرار العالم، حين لجأ الجلّادون قبل لحظات من تنفيذ احكام الإعدام بحق قادة الحزب الخالدين، فهد وحازم وصارم، بإعلانهم عن التخلي عن الفكر الشيوعي لقاء العفو عنهم وعدم تنفيذ أحكام الإعدام، فكانت قولة الخالد البطل، الرفيق يوسف سلمان يوسف (فهد) والتي اذهلت رجالات الحكم العميل، حين أعلن بأعلى صوته، وحبل المشنقة ملتف حول عنقه ورفاقه الميامين، بأن (الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق).

إن مثل هذا التحدي الأسطوري لبطل لا يمكن أن يماثله أي مؤمن بفكره ومهما كان ايمانه قويا، لا يمكن أن يتكرر أبدا، إلا وقت الانقلاب البعثي الفاشي على الحكم الوطني في العراق بقيادة الشهيد الخالد الزعيم عبد الكريم قاسم، حين لجأ الانقلابيون الفاشست الى أبشع وسائل التصفيات الجسدية بحق قادة الحزب ومناضليه، حين تفننوا في تعذيب الرفاق وعلى رأسهم، الرفيق الخالد سلام عادل، والعبّلي، وأبو سعيد، وجمال الحيدري وغيرهم من ابطال الحزب الذين واجهوا ماكنة الموت البعثي بكل جبروت وايمان لا يتزحزح بمبادئ الحزب وأهدافه النبيلة، فكان الصمود المذهل الذي شكّل اسطورة في الوقوف بوجه برابرة العصر، وكلنا يعرف ما تعرض له الرفاق من شتى صنوف التعذيب دون أن يعترفوا أو يتنازلوا أو تظهر عليهم مواقف الخذلان، حفاظا على الأمانة المقدسة التي ترخص أمامها كل التضحيات، دون أن ننسى قوافل الشهداء الميامين الذي تمت تصفياتهم على أيدي جلادي البعث المجرم.

إن حزبا بهذه المواصفات المذهلة وتلك المواقف البطولية الخالدة، ليس أمامنا إلا أن ننحني اجلالا واكراما له ولما قدمه من قرابين لا تحصى على مذبح الحرية والكرامة والدفاع عن العراق وشعبه المظلوم طيلة عقود من المحن والتضحيات والنضال الذي لم يعرف المهادنة أو الخذلان.

تحية لحزبنا الشيوعي العراقي المقدام في عيد تأسيسه السابع والثمانين، وحبه يتنامى بدواخلنا نحن الذين أفنينا سنوات عمرنا وفاء له ولمبادئه الوطنية دون أن نتخاذل أو نتراجع يوما بالتمسك بمبادئه التي تذهل العدو قبل الصديق، لتبقى رايته خفاقة دون أن تنال منه ومن شكيمته وعزيمته الفذّة وايمانه المستميت بمستقبل العراق وشعبه الكادح.

عاش حزبنا الشيوعي العراقي

عاشت الذكرى السابعة والثمانون لذكرى تأسيسه المجيدة

عاشت ثورة تشرين الأمل والمجد لضحاياها الأبطال والشفاء لجرحاها والحرية لمعتقليها ومغيبيها.

المجد والخلود لشهداء حزبنا الميامين وكل شهداء العراق الخالدين

وكل عيد وحزبنا الشيوعي العراقي بأبهى شموخه الذي يظل بوصلتنا للوصول للأهداف الوطنية النبيلة طال الوقت أم قصُر.

عرض مقالات: