صدر حديثا كتاب بعنوان (حميد رشيد كما يراه الاعلاميون) من إعداد الصحفية رجاء حميد رشيد أهدته إلى صاحب الكلمة الحرة الشريفة.. إلى من كان للوطن والصحافة والنضال عنوانا.. إلى من ترك بصمته الثقافية والصحفية في رحاب صاحب الجلالة، مثلما اهدته إلى عائلتها.

قدمت في بداية الكتاب الشكر والتقدير إلى الصحفي محسن حسين جواد لمساعدتها في ترتيب محتويات الكتاب وإلى كل من أعانها في إنجازه.

بدأت برسالة إلى والدها الصحفي والمترجم حميد رشيد تناجيه: افتقدك ابتاه!! وتوضيح للقراء عن فكرة تأليف كتابها هذا. 

وتستهل المقدمة بحوار: رأيت ابي بعيونهم وعرفته أكثر بكلماتهم، وما لاقته من صعوبة عندما شرعت بالكتابة لاستذكار قامة صحفية لامعة في رحاب صاحبة الجلالة، والدها الذي رحل في عمر مبكر.. والذي لم تعش معه في الواقع ولكنها عرفته من خلال سيرته المهنية وسمو أخلاقه.. بقيت ذكراه طي الكتمان سنوات طوال بسبب اتجاهاته اليسارية المعارضة لاتجاهات السلطة الحاكمة آنذاك. عرفته من خلال اقلام من عرفوه وبعيون محبيه ومجايليه كرس نفسه للبحث عن الحقيقة والنضال من أجلها لا يثنيه عن بلوغها جوع او تشرد او ضياع..

انه حميد رشيد فقط بلا لقب، بلا نسب، العراق لقبه والوطن نسبه والصحافة عمله.. تختم المقدمة، يكفيني إنه أبي.

في باب الشهادات، يقول محسن حسين جواد، حميد رشيد أتقن اللغة الانكليزية ومارس الترجمة، منها بدأ في تلك الفترة تعلم اللغة الفرنسية وبدون معلم مما آثار دهشتي واعجابي موضحا أنه تعرف عليه في بداية عمله الصحفي وبقي معه لمدة ألف يوم بدون انقطاع. من عام ١٩٥٧ لغاية ١٩٥٩.

الصحفي فخري كريم كتب، ان حميد رشيد اضافة قيمية تجسدت في انسان لم يشبه غيره، ولأمانة الكاتبة في مشوارها الصحفي تذكرني (شميران) ساعدتها للاتصال بالأستاذ فخري كريم في مسعاها للوصول لمن يعرف أباها من الوسط الاعلامي.. وفي لقاء معه يذكر أن حميد رشيد بالنسبة له ليس صديقا عابرا او اخا ارتضاه، بل اضافة قيمية تجسدت في انسان لم يشبه غيره ممن بدأت رحلته في الحياة معهم. فقد كان علامة فارقة رافقته وظل حيا في ذاكرته يستعيد معه وعيه كلما أرهقه الزمن وتاهت به دروب الحياة..

الصحفي والكاتب السياسي حسن العلوي يقول عن حميد رشيد، تعاصرنا ردحا من الزمن يعد على أصابع اليد في جريدة الثورة البغدادية حتى وفاته، كنت كاتب عمود وكان حميد رشيد مطبخ الجريدة وكان من اليسار الوطني العراقي حتى النخاع.. كان يعمل مثل نملة مخلصة تعد لشتاء صعب وكنت انا بعثيا وكان شيوعيا فما اختلفنا مرة.. كنت أفكر بطريقته وكان يحترم طريقتي ولطالما سألته، إنك شيوعي عريق لكنك تعمل في هذه المؤسسة وكأنها مؤسسة حزبك، فيجيبني، عملنا انت وانا في حركة وطنية واحدة ومشروع سياسي كبير، اننا الناطقون بلسان صحافة الحياد الايجابي ومؤتمر بان دونغ. حميد رشيد من سلالة الذي عرفوا الصحافة بأنها حرفة البحث عن الفقر وكان مخلصا للاثنين، الصحافة وللفقراء، وهذه مدرسة راقية خاصة بأهل العراق.

ويقول عنه الاستاذ خالد الحلي، حميد رشيد عشق الكتابة الخيرة والهادفة ومات وهو يكتب وذكراه ما زالت وستبقى مشعة في القلب والعقل والضمير.. كان أستاذا مرشدا، واخا كبيرا، وصديقا نبيلا، ورفيقا ثابت العزم والإيمان. لقد كان مفتاح تعرفنا على بعض وتعمق علاقتنا مع الايام التزامنا بخط اليسار الوطني العراقي والتقارب الكبير بين رؤانا وافكارنا وتطلعاتنا وما نؤمن به من قيم انسانية واخلاقية، كانت تربطه علاقات وطيدة وجميلة بأبرز الوجوه الاعلامية والفنية والثقافية. وكانت له اهتمامات عديدة خارج إطار العمل الصحفي، فقد كان مثقفا موسوعيا، وكانت قضايا السياسة والمجتمع والفكر والابداع والثقافة بمفهومها العام من مشاغله الدائمة. وكتب الحلي في الذكرى السنوية الثالثة لرحيله مقالا بعنوان (حميد رشيد... الزميل الذي مات وهو يكتب).

الاستاذ زيد الحلي يكتب، عندما نذكر حميد رشيد نستذكر مواقفه في تجذير القيم المهنية العالية فلم أره يوما يغتاب أحدا، أو يشر إلى نقيصة ما في سلوك أحد الزملاء. وكان مساهما في تأسيس مع زملاء آخرين شواهد وشواخص اعلامية مهمة في الحقل الصحفي والاعلامي.

وتكتب الصحفية اللامعة سلام خياط، حميد رشيد الصحفي النزيه الشريف غير الانتهازي او المتملق. وكان من الصحفيين الصامدين بوجه الاعصار دون ان يحنوا رؤوسهم.

 الصحفي يوسف متي كتب مقالا بعنوان (نهاية... المهنة المتعبة) في الذكرى السنوية الاولى للفقيد حميد رشيد ناشد فيه تعديل بسيط لقانون التقاعد لأصحاب المهن الشريفة المتعبة..

كتب الصحفي المرحوم صادق الأزدي مقال بعنوان (محرر يخفي معرفته باللغة الفرنسية) عام ١٩٨٣ وجاء فيها ان حميد رشيد كان من أكفأ المحررين الذي عرفتهم الصحافة العراقية خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها. وكان يؤدي أكثر من عمل في الجرائد التي عمل فيها ولا يحصل الا على القليل ومن هنا جاء اضطراره مثل غيره إلى العمل في أكثر من جريدة.

كتب الصحفي يوسف عويد مقالا بعنوان (الصحفي حميد رشيد في ذكراه الاولى) جاء فيها، ان حميد وقع شهيدا في ميدان الصحافة وهو يؤدي واجبه في إدارة جريدة الثورة التي كان يعمل فيها رئيسا لقسم الترجمة وبوفاته خسرت الصحافة العراقية جنديا من أبرز جنودها كفاءة وخلقا ونزاهة،  لقد رحل حميد رشيد قبل أوانه وهو في مرحلة النضج والنبوغ والابداع في كل المجالات العلمية والادبية والسياسية، كان راسخ العقيدة بمبادئه الإنسانية الحقة، وعزمته السجون أكثر من مرة.وكان يخرج في كل مرة ليستأنف مسيرته في الحياة بعزيمة أقوى وإيمان ارسخ،  انه لم يفقد ثقته المطلقة بالشعب الكادح وفي المستقبل.

كان حميد رشيد من النماذج الصحفية والإنسانية والتقدمية الأصيلة وقد كان الكفاح المستمر شارة مضيئة في طريق حياته ونضاله ومهنته، فقد كان رجلا عصاميا علم نفسه بنفسه وكان إنسانا شريفا دخل السجن أكثر من مرة التزاما منه بنضال وتطلعات شعبه وكان فنانا موهوبا قدم لتطور الصحافة العراقية الكثير من الجهد والابداعات.

الصحفي شاكر اسماعيل كتب مقالا بعنوان (حميد رشيد... صحفي لامع شعاره الصحافة مدرسة الحياة) يقول فيها، عندما تحول ايامك السوداء إلى ايام ضاحكة والجهل إلى معرفة وتعزف على قيثارة الحياة الحانا شجية.. وتصبح مفاتيح مستقبل زاهر باهر كأنك المناضل الحقيقي الذي يجعل من ايام حياته الحافلة بالعطاء نضالا من اجل تقدم الوطن ومن كلماته شموعا تنير الطريق عطاء بلا حدود وثراء روحيا هو زاد الجماهير وذخيرتها في معركة الحياة. مقال طويل يصف فيه حميد رشيد بالكاتب المبدع وكلماته الحلوة وكاتب محارب الذي تنافست الصحف ايام زمان على التعاقد معه ليكون كاتبها المفضل.

وفي حديث للأستاذ معاذ عبد الرحيم الذي التقته الكاتبة بشكل شخصي، اعتبر المرحوم حميد رشيد من أحسن وأقدر الصحفيين الذي شهدتهم الصحافة العراقية وهذه شهادتي اقولها بكل صدق وصراحة.. كان هاديء وقليل الكلام وشفاف ويرسم علاقاته للآخرين بشكل رائع وكان محبوبا من مختلف الصحفيين مهما كانت آراءهم السياسية وكان موضع اعتبارهم وقدوتهم.

مفيد الجزائري كتب شهادة مميزة مؤكدا ان الصحفي حميد رشيد كان معلمي وصديقي ومن المع صحفيينا العراقيين. وكنت محظوظا لأن عميد الصحافة حميد رشيد هو من شجعني ودعمني في خطواتي الاولى في عالم الصحافة وبتعرفي إلى ابي رياض ربحت ما هو أهم: صداقته وذلك ما لم أدركه الا في وقت لاحق، بعد شهور من لقاءات كادت تصبح يومية، وبعد أن اطلعت من بعض معارفه على حقائق تتعلق به وبحياته وعمله وشيء من سيرته في السنين السابقة. وكان ذلك كله يعزز شعوري بالقرب منه ويزيدني اعجابا واعتزازا به واحتراما له. كانت تفصل بيننا أربع عشرة سنة، لكنه ببساطته وتواضعه الجم، لم يول ذلك اهتماما، كان يتعامل معي باعتباري صديقا. أما أنا فصرت انظر اليه أكثر وأكثر كأخ كبير وكمعلم ليس فقط في مجال الصحافة وإنما أيضا على المستوى الإنساني.  وكان المرحوم حميد رشيد مثقفا واسع الاطلاع والمعرفة يصعب ان تجد نظيرا له في الوسط الصحفي حينذاك (قبل ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨) ويبدو ان تمكنه من اللغة الانكليزية الذي حققه بجهده ودأبه الشخصيين، اتاح له الوصول إلى ما كان خيرة اقرانه من محبي الثقافة يعجزون عن مقاربته.  ولا بد لي من الإشارة هنا إلى انه كان من القلة النادرة في العراق يومذاك التي تتذوق الموسيقى الكلاسيكية الأوربية وتتمتع بالاستماع إليها.  واتذكر جيدا انه ترجم لي شفويا فقرة من أحد تلك الكتب تتعلق بخاتمة السمفونية التاسعة لبتهوفن، التي جلست استمع إليها معه وانصت إلى شروحه لها وتوضيحاته وكان ذلك اوائل صيف ١٩٥٩ في بيته في منطقة العطيفية، الذي دعاني اليه خصيصا لسماعها وكانت تلك اول مرة في حياتي استمع فيها إلى مثل تلك الموسيقى. على أن الفضل الاكبر في اهتمام ابي رياض بالثقافة وانغماره في عوالمها يرجع على ما يبدو لي إلى ارتباطه ايام شبابه بالحزب الشيوعي العراقي وليست لدي اليوم كما لم تكن عندي ايام تعرفي عليه اية معلومات موثوقة في شأن ذلك الارتباط وطبيعته.  هل كان ارتباطا بالحزب نفسه ام بإحدى المنظمات القريبة منه مثل اتحاد الطلبة. لان عضوية الاتحاد بحد ذاتها كانت توفر لحاملها فرص تثقيف وتنوير يعتد بها فضلا عن فرص تمرين على القراءة الجادة المتعمقة وعلى الإفادة منها في تثقيف الذات وتطوير وتوسيع المعرفة.

وكتب سجاد الغازي ان حميد رشيد مثال الإنسان المثقف الذي يعرف أكثر من شيء عن كل شيء.. وحميد رشيد الأخ والصديق والانسان، الزاهد المتواضع الهاديء خفيض الصوت، الصحفي والاعلامي، المترجم والاديب، صاحب الذائقة الفنية، السياسي والمناضل والحكيم، الانيق المتأنق شكلا وملبسا وكتابة، النظامي الملتزم قانونا وعقيدة، الاستاذ، في الصحافة والكتابة والترجمة والادب والتفسير في القانون والفلك والعلوم، مثال الإنسان المثقف الذي يعرف أكثر من شيء عن كل شيء. كيف اجتمعت كل هذه الصفات في شخص واحد؟ انه الإنسان المتميز والمتفوق بل قل العبقري.. وهكذا كان حميد رشيد، محمودا ومرشدا.

وكتب الكاتب والصحفي جعفر ياسين من مقر إقامته في لندن ويقول، ابو رياض كان رجلا مرتبا وانيقا وجميلا جدا ومؤدبا بحديثه وينتقي كلماته انتقاء والتي تعكس ثقافته الواسعة، كان صاحب اتيكيت وثقافة، بل كان موسوعة ثقافية، كان في كل شهر وعند استلامه راتبه لا بد أن يشتري أسطوانة وسيكارا.  كان يكتب عمودا يوميا في جريدة صوت الاحرار لصاحبها لطفي بكر صدقي، كان يساريا وقريبا للشيوعيين يكتب عمودا بالسياسة الدولية ولا ابالغ ان قلت بأن مقال حميد رشيد كان يضاهي أكبر مقالات الكتاب والصحفيين والمحللين في صحف العالم. كنت احبه كثيرا والجميع كان يحبه لأنه محترم جدا وطيب وذو خلق رفيع.

الناقد محمد الجزائري المغترب في بلجيكا قبل وفاته كتب.. بأي اتجاه اكتب عن حميد رشيد رفيقا في السجن ام رفيقا في الصحافة والحياة؟ وذاكرة الشرفاء لن تنطفىء نهاراتها برغم ليل التعتيم والظلم والظلام، كان من قدامى الصحفيين وكاتب خبر محلي مميز وتقدم بطلب تأسيس أول نقابة للصحفيين مع الجواهري،  كنا وقتها نصدر جريدة صوت الطليعة من البصرة لسان حال المنطقة الجنوبية للحزب الشيوعي وكنا نزور بغداد ونساعدهم في صحافتها وتعرفت عليه من خلال التنظيم وايضا النقابة ثم ترافقنا في سجن الكوت حيث جلبوني من ابعادي بنقرة السلمان وحاكموني في العرفي الأول بمعسكر الرشيد وكان حميد رشيد معتقلا مع عدد من الوطنيين الذي وقعوا على مذكرة تطالب عبد الكريم قاسم بالسلم في كردستان والديمقراطية للعراق، وهناك عشنا حياة مشتركة داخل السجن. اذكر إحدى المرات كان فخري معنا في سجن الكوت وحين كسرنا السجن وهربنا صبيحة انقلاب ٨ شباط ١٩٦٣ ذهب فخري مع محمد الخضري إلى بغداد وذهبت مصطحبا مجموعة محكومين بالإعدام مشيا إلى البصرة ومن هناك هربتهم إلى إيران وعادوا واعتقلوني واعادوني لسجن الكوت ثم تمت محاكمتي ثانية ونقلت لسجن العمارة ثم الرمادي ثم اعدت إلى نقرة السلمان محجوزا بعد انتهاء مدة محكوميتي ولم اغادره الا في اواسط الستينيات، عندها التقيته مرة أخرى ودعاني إلى بيته في حي الصحفيين في القادسية.

وذكره الصحفي فائق بطي في كتابه الموسوم (الموسوعة الصحفية) كأحد اعضاء اللجنة التأسيسية لنقابة الصحفيين العراقيين. والصحفي شكيب كاظم أشار الي اسم حميد رشيد كأحد المؤسسين الثلاثة لوكالة الانباء العراقية في مقال بعنوان (محسن حسين في أوراقه، سياحة تذكارية لستة عقود).

الكاتب والموسوعي حميد المطبعي التقته الكاتبة في لقاء قصير وكان قد أفقده المرض الحركة والذاكرة.. في محاولة لتقديم نفسها والتعرف عليها انها ابنة الصحفي حميد رشيد وان كان يتذكره؟ تكتب: لن أنسى نظرته الابوية الحنونة والعطوفة واجابها وهو يمسك بيدها ويتحدى صعوبة النطق وتمتم بكلمات مفهومة وقال حميد رشيد الله يرحمه من كبار الصحفيين في العراق ومن اهم المترجمين، الانيق الجميل.. فرحت لأن ذاكرته لم تخنه وفرحت بشهادته عن والدها.

اضافة للشهادات والذكريات عن حميد رشيد الصحفي، المترجم..  تضمن الكتاب مجموعة من الصور التي توثق مسيرة حميد رشيد الصحفية والاعلامية وكل ما يقال ويكتب عنه قليل، كان وسيبقى أسطورة الصحافة ولن يأتي بمثله أحد، مسيرة حياته حافلة بالعطاء الصحفي والابداع المعرفي ألثر، وتختم رجاء مطبوعها: يكفيني فخرا ابي المرحوم حميد رشيد قامة صحفية شامخة وايقونة الصحافة والاعلام رجل لن ولم يتكرر.

عرض مقالات: