الشيوعيون ملح الارض لهم سفر نضالي يمتد سنوات طويلة في تاريخ العراق السياسي، يفيضون عنفوان الشباب و(ثيل) الحدائق تمتد جذوره وتتسع ولا يموت، يؤمنون بالحرية والحياة الخالية من استغلال الأنسان لأخيه الأنسان، حالمين بالحياة السعيدة من خلال تطبيق العدالة الاجتماعية.
للشيوعيين حكايات لا تنتهي أبدا” في مقارعتهم للأنظمة الظالمة التي حكمت البلد العابثة بأمنه وامواله، يستشهدون من أجل كلمة ويواجهون المشانق بشجاعة لا مثيل لها من أجل الطبقة العاملة الكادحة، يحبون الحياة الحرة الكريمة ولا يحبون الموت لكن يواجهون شتى انواع التعذيب والمشانق ببسالة، ومن هذه البطولات التي يرويها الينا الرفيق المخضرم محسن ملا علي (ابو وسام) قصة إعدام الشهيدين عبد الكريم عبد الحسين المعروف بـ (كريم حسين) وعبد الله رشيد البدري أمام بوابة رصيف ميناء المعقل وشاهدا على محاكمتهما لكونه كان متهما معهما أيضاً، بدءاً ندرج في أدناه شيئا من حياتهما، الشهيد عبد الكريم عبد الحسين الاحمد، التولد / 1929 من أهالي قضاء أبي الخصيب، كان يعمل كاتب تعداد في رصيف ميناء المعقل.
التحق بصفوف الحزب الشيوعي العراقي بعد ثورة 14 تموز 1958.
كان ناشطا وحاضرا في المؤتمر الأول لاتحاد نقابات العمال الذي انعقد في بغداد في الأشهر الأولى من ثورة تموز 1958، وعند تأسيس نقابة عمال الموانئ في شباط 1959 تم انعقاد مؤتمرها لاختيار قيادة لها حيث انتخب عضوا في الهيئة الادارية وأصبح نائبا للرئيس النقابة والتي كان يرأسها محسن ملا علي.
اما الشهيد عبد الله رشيد البدري تولد 1925 من اهالي العشار منطقة البجاري، رياضي معرف بلعبة رفع الاثقال على المستوى العراقي والعربي ثم أصبح مدربا لهذه اللعبة، يعمل موظفا في الموانئ.
نعود ليروي لنا محسن ملا علي قصة مقتل (أنس طه).
في سنه 1959 خرجت مظاهرة لطلبة إعدادية الصناعة في المعقل اتجهوا بها إلى أمام بوابة رصيف ميناء المعقل وكان أحد الطلبة يحمل كلباً وفي رقبته صورة لأحد زعماء العرب وبهذه الأثناء خرج موظفو وعمال الموانئ بالترحيب بالمتظاهرين، ومن بين الواقفين المدعو (أنس طه) وهو البعثي المعروف مما أثار غضبه وتكلم بكلمات غير لائقة من السباب والشتائم على المتظاهرين والمرحبين بالمظاهرة وأغضبتهم هذه الشتائم مما أدى إلى مشاجرة في بدايتها مع موظفين وعمال الرصيف وبعدها هجم عليه العمال ضربا أدى إلى مقتله، وقد اتهم بمقتل أنس (13) شخصا من عمال وموظفي الرصيف بضمنهم محسن ملا علي الذي كان يعمل في دائرة المسفن البحري، علما بأن المسافة بين المسفن البحري والرصيف تبعد (3) كيلو متر تقريبا.
ومن بين المتهمين الثلاثة عشر عبد الكريم عبد الحسين وعبد الله رشيد.
تم إلقاء القبض عليهما سنة 1959 وقدموهما إلى المحاكمة، ثم أتوا بعشرات الشهود ولم يشهد سوى عدد قليل تقدر بأصابع اليد الواحدة من المدفوعين والحاقدين حيث شهد شخص واحد ضد كريم حسين وشاهد آخر ضد عبد الله رشيد حيث شهدا ضدهما وكانت الإجابة بأن الذين قاموا بالاعتداء على أنس هما كريم حسين وعبد الله رشيد، ومن الشهود كان ضابط وأفراد مركز شرطة الرصيف، ومن الأسئلة التي طرحها القاضي على ضابط وأفراد شرطة الرصيف، لماذا لم تنقذوا أنس من الموت؟ فكانت إجابة الضابط لم نستطع لكونه كان محاطا من قبل مجموعة من عمال الرصيف ولم نستطع الوصول اليه، علما بأن ضابط وأفراد الشرطة لم يتطرقوا بشهادتهم إلى من قتله.
بناءً على تلك التحقيقات غير المكتملة أصدرت المحكمة حكمهما على المتهمين كريم حسين وعبد الله رشيد بالحبس لمدة (15) سنة وعلى إثنين آخرين بالحبس لمدة (3) سنوات، أما البقية فتم إطلاق سراحهم، وبعد انقلاب 1963 كان البعثيون في السنة الأولى هم المسيطرون على زمام الأمور والحكم فتمت إعادة محاكمة كريم حسين وعبد الله رشيد كرهاً وحقداً على الشيوعيين والحزب الشيوعي العراقي، وقد حكمت عليهما المحكمة بالإعدام شنقاً حتى الموت.
وبعد سيطرة عبد السلام عارف على مقاليد الحكم تم تنفيذ الحكم بحقهما بتاريخ 14/ 12/ 1963 وعلى جميع المحكومين في أحداث كركوك والموصل.
ومن الجدير بالذكر عندما صعد كريم حسين للمشنقة كان يهتف بحياة وأسم الحزب الشيوعي العراقي (حسب ما رواه الحاضرون أثناء تنفيذ الاعدام)، وعلقت جثمانيهم الطاهرين أمام بوابة الرصيف في ميناء المعقل.
كان إعدامهما باطلاً ولا يوجد مسوغ إلى إعادة محاكمتهم وإعدامهم، السبب الرئيسي كان هو الحقد الدفين على الشيوعيين والحزب الشيوعي العراقي واعتقادهم بأن الشيوعيين كانوا يحكمون في فترة الزعيم الشهيد، نعم الشيوعيون دعموا حكومة عبد الكريم قاسم في السنة الأولى من حكمه، أما في السنوات التي تلت تلك السنة فقد زَجَّ بالشيوعيين في مختلف السجون.
هكذا كانت تمضي مأربهم الخبيثة.
ربما هناك سؤال وقد مضى على استشهاد كريم حسين وعبد الله رشيد أكثر من (50) سنة، اين هم البعثيون والقوميون الآن؟ على العكس من الشيوعيين فهم مرفوعو الرؤوس ولازالوا يعملون ويناضلون من أجل الوطن الحر والشعب السعيد.