العلاقة بين الموت والحياة علاقة مثيرة للجدل وتثير تساؤلات كثيرة، وكبيرة، تتمثّل باللحظة الفاصلة، بين الحياة والموت، بين التشبّث بالحياة، أم التضحية في سبيل عالم يحلم به الإنسان يتصوّره جميلاً وعادلاً، قد لا يعيشه، ولكن يتحقق للآخرين من بعده، ولأولاده.
تضج مواقع التواصل الاجتماعي يومياً بصور لشابات وشباب من شهداء الحزب الشيوعي العراقي، فقدوا حياتهم في لحظة بسبب فكرهم وتفكيرهم لا غير!،
شابات وشباب مثل الورود، طلاب، اساتذة جامعات، معلمون، مهندسون، عمال وكسبة، فلاحون ومفكرون، ربات بيوت، هؤلاء ليسوا بأناس عاديين، بل مثقفين. حين تنظر لوجوههم الطيبة، السمحة، وجوه وقلوب نقية وضمائر حيّة، وأرواح تحلم بحياة أفضل ترى الخير والمستقبل الأفضل، يحلمون بحياة عادلة لا يوجد فيها ظالم ولا مظلوم، هذه فكرتهم الوحيدة، ولكونهم يحملون الأفكار الشيوعية، فهذا من منظور الآخر الظالم والكاره للحياة وللحق يعتبر ذنبا!
هنا نتساءل في لحظة إطباق الموت الحتمي عليهم في تلك اللحظة ماذا يتبادر لذهنهم! بماذا يفكرون، حين تبرز أمامهم مئات الصور المتعلقة بالحياة، صورة الحبيبة، والزوجة، الأم والأب، والأطفال، الشجر، الدروب والشوارع، الأزقة، المدرسة، الجامعة، ما هو شعورهم، وهم يعلمون ان هناك حبلاً معلقاً ينتظرهم، أو طلقة غادرة تخترق أجسادهم، شجاعتهم، بسالتهم، مبدأهم يجعلهم يختارون الأصعب، بل الأكثر كرامة لهم لحزبهم، ولعوائلهم وهذه قمة التضحية!
اكتب هذه الكلمات وأمامي مرثية لأحد الاصدقاء سعدي سجيل وهو يناجي صورة الشهيدة شوقية ضايف التي تتوسط مقبرة الشهداء الشيوعيين المغيّبين، من ليس لهم قبور ولا شواهد، المقبرة شيّدت في أربيل، وتضم المئات من الشيوعيين البواسل رجالاً ونساءً أعدمهم النظام الدكتاتوري وأخفى جثامينهم عن عوائلهم وأحبتهم.
يقول سعدي في مرثيته ويطرح تساؤلات إنسانية مشروعة:
شوقية ساعة وأنا أنظر الى صورتكِ أمامي لا أرى فيها غير النقاء والبراءة، فكيف هان عليهم وأعدموك!
لماذا أعدموك وماذا فعلت يا شوقية؟
هل أجرمت، هل سرقت، وهل أجبروك على البراءة، فأبيت ان تتنازلي عن حزبك، وتدلّي على رفاقك، او لإنك تحبين وطنك فأعدموك يا شوقية؟
شوقية حبيبتي يا ابنة الجيران وأختي، يا ابنة مدينتي، وابنة العراق، هل ضربوك، هل أهانوك وعذبوك انهم قساة كلنا نعرفهم يا شوقية!
وكيف قاومت الطغاة وتعذيبهم الوحشي، وهل تتحمل واحدة مثل رقة روحك، وجمال وجهك وبراءتك كيف تتحمل ذلك الظلام في الزنازين الباردة والموحشة!
كيف كنت تقاومين الظلم والقسوة وحدك معزولة عن العالم أجمع لا أحد يواسيك، او يشد من أزرك كيف يا شوقية، كيف تحملت كل ذلك!
وهل كنت تعلمين أنك لست وحدك بهذا الحال يا شوقية، هل كنت تعلمين باعتقال بنات مدينتك فهناك الكثير من بنات خالتك كنّ يواجهن نفس المصير، زاهرة، حرية، خالدة، من محلة واحدة ومن عائلة واحدة، ومن تنظيم شيوعي وحديدي واحد.
يا شوقية ماذا أقول، غير هنيئاً لك الشهادة، وهنيئاً لكل الشيوعيات الباسلات، ممن اعتلين أعواد المشانق ورؤوسهن مرفوعات لسبب واحد إنهن كنّ على حق.
لأرواح الشهيدات الشيوعيات والشيوعيين باقات من الورود الحمراء تعطّر أرواحهم الطاهرة، ولهم السلام الأبدي والمجد والخلود.