اخر الاخبار

صدر عن دار الفرات للثقافة والإعلام في بابل كتابي الموسوم (تاريخ الصحافة في محافظة الديوانية -1920 2010م) والذي يقع في (132) صفحة من الحجم الوسط، وقد زود الكتاب بملحق من صور الصحف الصادرة في مدينة الديوانية.

تُعرَف الصحافة بأنها صناعة الصحف، والصحف جمع صحيفة وهي قرطاس مكتوب، والصحافيون أولئك القوم الذين ينتسبون إليها ويشتغلون فيها. والمراد اليوم بالصحف أوراق مطبوعة تنشر الأخبار والمعرفة والعلوم على اختلاف مواضيعها بين الناس في أوقاتٍ معينة. وأول من استعمل لفظة (الصحافة) بمعناها الحالي كان الشيخ نجيب سليمان الحداد (1868-1899م)، منشئ (لسان العرب) في الاسكندرية وحفيد الشيخ ناصيف اليازجي، وإليه يرجع الفضل في اختيارها، فقلد سائر الصحافيين وكانت الصحف في أول عهدها تسمى “الوقائع”، أما لفظة أو مصطلح (الصحيفة) فأول من أطلقها كان الكونت رُشيْد الدحداح (1813 - 1889م)، وجرى مجراه أكثر الصحافيين.

ويقول الراحل سلامة موسى في كتابه (الصحافة حرفة ورسالة): “الصحيفة هي مرآة الأمة. وانها اليوم ترينا كما هي الآن، ثم هي مرآتها في الغد ترينا نفسها كما يجب أن تكون في المستقبل”. وهنا تنبت فكرة أوضحها سلامة موسى تصح أن نعتبرها المبدأ الأول في جميع دساتير الصحافة العالمية.

لم يتفق اثنان لحد الآن بصدد تحديد تاريخ ومكان صدور أول صحيفة عراقية أبان العهد العثماني. غير أن السيد رزوق عيسى المؤرخ العراقي المعروف ورئيس تحرير مجلة (المؤرخ) يذكر بوضوح ما يلي: “إن المعلومات التي جاء بها الرحالة الاجانب ومنهم من البريطانيين، أيدو حقيقة أن أول صحيفة ظهرت باللغة العربية كانت (جريدة العراق) التي صدرت في بغداد عام 1816م، وذلك عندما عين الوالي معروف داود باشا الكورجي والياً”. فإذا كان بهذه الرواية نصيب من الصواب، يكون العراق إذن أول قطر عربي يطرق باب الصحافة في الأمة العربية.

أما في ميدان الصحافة فنجد أن الصحافة اليهودية ظهرت في العراق في مرحلة مبكرة، فقد أصدر اليهود في عام 1863م صحيفة يهودية باللغة العبرية تدعى (هادوبير)، وفي مطلع القرن العشرين أصدروا صحيفة أخرى عبرية هي (هامجي)، ثم صحيفة أخرى في عام 1900م تدعى Jeshurum وكانت تصدر باللغتين العبرية والعربية وتعنى بشؤون الطائفة المحلية.

وقد صدرت صحيفة رسمية في بغداد في عهد الوالي مدحت باشا (1868 - 1872م) هي (الزوراء)، وقد صدر العدد الأول منها باللغتين العربية والتركية يوم الثلاثاء 16 /6 /1869، وجاء العدد موشحاً بالعبارة: (هذه القزة تطبع في الأسبوع مرة يوم الثلاثاء)، وجاء في العدد في العدد 1281 لسنة 1911م إنها جريدة رسمية اسبوعية مختصة بولاية بغداد، وقد استمرت بالصدور مدة (49) عاماً، وإن آخر عدد صدر منها برقم 2606 توقفت عن الصدور أواخر الحرب العالمية الأولى عند احتلال الجيش البريطاني بغداد بقيادة الجنرال ستانلي مود في 11 /3 /1917.

أما الجريدة فإن أول من أطلق مصطلحها على الصحيفة المكتوبة في العصر الحديث كان المرحوم أحمد فارس الشدياق (1804 - 1887م) اللبناني صاحب (الجوائب)، التي اصدرتها في القسطنطينية نيفاً وعشرين سنة من 1861-1883م.

وكلمة (الجريدة) قديمة العهد، جاء ذكرها في معجم (شفاء الغليل) تأليف شهاب الدين أحمد الخفاجي المصري (977هـ/1069هـ)، قال: (الجريدة هي دفتر أرزاق الجيش في الديوان، وهو اسم مولد، وهي صحيفة جُرّدت لبعض الأمور. أخذت من جريدة الخيل وهي التي جردت لوجه)، وقال ابن الانباري: الجريدة، الخيل التي يخالطها راجل واشتقاقه من تجريد إذا انكشف.

والجريدة من المصطلحات التي استخدمت قديماً في علم الوثائق والأرشيف، والمراد بها ما يسمى في عصرنا الحالي بـ(الإضبارة) أو (الملف) أو الملفّة المشتملة على مجموعة الوثائق اللازمة. والمجلة: معناها (الصحيفة التي فيها الحكمة، والكلمة قديمة العهد، ويُعرّفها الجرجاني بالصحيفة التي يكون فيها الحكم، أو كانوا يكتبون فيها الحكمة. أما من الناحية التاريخية فإن اليهود كانوا يكتبون التوراة وبقية أسفار العهد القديم على جلود مدبوغة أو على الرق –أي الطومار- وكانت الجلود تربط مع بعضها فيحصل في ذلك نوع من الطومار يبلغ طوله أحياناً نحو (20) متراً أو أكثر، وكان هذا الطومار يُلَّف على عصا، وحين القراءة كان القارئ يفض بيده الواحدة على الدرج وينشره تدريجياً، وفي أثناء القراءة كان يلف الجزء الملتوي من الجهة الأخرى، ولهذا الشكل دعي الملفوف باسم (مجلة Megilleh) باللغة العبرية، أي ملفوف ودرج أو درج.

أن الصحافة والإعلام في كل مكان، لا يمكن لها أن تزدهر وتتطور وتنتظم، إلا إذا كانت هناك بنى تحتية لهذه الصناعة الفائقة الأهمية والدور في حياة المجتمعات البشرية المتمدنة. وكانت الصحافة العراقية منذ نشوئها قد عملت على جلب مستلزمات صناعتها، وكانت المطابع من أهم عوامل وجود الصحافة. لذا فإن دراسة الصحافة العراقية بالذات له أهمية كبرى في تفهم الدور التاريخي الذي لعبته كجزء من التأريخ السياسي للبلاد.

إن الغاية من هذا الكتاب هي تبيان المراحل المختلفة التي مرت بها الصحافة في مدينة الديوانية ضمن واقعها السياسي والفكري والفني. وتبيان التقدم الذي احرزته إلى حد ما في أطارها وفق الفترات الزمنية مع بعض المآخذ عليها والحلول لتلك المآخذ على النطاق الفني والفكري، بدءاً من عام 1941 ثم تطورها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*كتاب من تأليف نبيل عبد الأمير الربيعي.