في عالمنا المعاصر تزداد أهمية توفير وسائل الأمان والسلامة في المباني والمنشآت، حيث أن غيابها او الإهمال في تطبيقها يمكن ان يؤدي إلى نتائج كارثية، ليس فقط على مستوى الممتلكات بل على حياة البشر. إن وقوع كوارث نتيجة غياب مطافئ الحريق وسلالم الطوارئ او مخارج السلامة ليس مجرد حادث عرضي بل هو بمثابة مهزلة في حق القوانين والإنسانية على حد سواء، فالدولة بوصفها الجهة المسؤولة عن حماية المواطنين وضمان سلامتهم تتحمل مسؤولية كبيرة في توفير بيئة آمنة، وعندما تقصر في أداء هذا الواجب فانها لا تخرق القوانين فقط بل تخون الثقة التي وضعتها فيها الشعوب. وفي عالم اليوم الذي يشهد تطورا سريعا في مجالات البناء والهندسة لا يمكننا أن نغفل أهمية السلامة العامة في المباني والمنشآت، حيث أن توفير وسائل الأمان مثل مطافئ الحريق وسلالم الطوارئ في كل مبنى ليس أمرا قانونيا بل هو مسؤولية أخلاقية تجاه المجتمع، وعلى الرغم من وجود قوانين تحكم هذا الموضوع لا يزال الإهمال الحكومي وأفعال بعض اصحاب المنشات يشكلان تهديدا حقيقيا للأرواح والممتلكات، حيث أنه في العديد من الحالات يتصرف بعض أصحاب البنايات والمنشآت دون مراعاة لإجراءات السلامة ولا يوفرون متطلباتها مثل مطافئ الحريق ومخارج للسلامة ، يعد حادث الكوت في العراق من الحوادث المأساوية التي تكشف عن إشكاليات كبيرة في تطبيق معايير السلامة في المنشآت وهو ما يستدعي الوقوف عند مسؤولية أصحاب البنايات بشكل خاص الذين يتحملون الجزء الاكبر من المسؤولية القانونية، وان عدم مراعاة إجراءات السلامة تعتبر مخالفة قانونية خطيرة، اذ بالرجوع إلى قانون الدفاع المدني نجده ينص على منع تشييد او اشغال المنشات التي لا تتوفر فيها مستلزمات السلامة . وأن العلاقة بين مسؤولية الدولة واصحاب البنايات هي مسؤولية مشتركة اي مسؤولية تكاملية حيث ان الدولة يجب أن تضع القوانين وتنفذ الرقابة في حين اصحاب البنايات والمنشات التجارية يجب عليهم تنفيذ هذه القوانين بشكل صارم، فاذا فشلت الدولة في فرض رقابة فعالة على تطبيق معايير السلامة في المنشات يمكن ان تتعرض للمسؤولية القانونية والانتقاد العام، في حين أن اصحاب البنايات يتحملون عواقب نتيجة الإهمال في توفير معايير السلامة كالغرامات المالية وتعويض الضحايا والعقوبات الجنائية. ولا يمكن وصف الحوادث التي تسجل نتيجة لغياب سلالم الطوارئ او مطافئ الحريق بانها مجرد حوادث عادية بل هي كوارث بشرية يتساقط ضحاياها بسبب إهمال فاضح في الالتزام بمعايير السلامة بل هو نتاج تقاعس متعمد او جهل صارخ من قبل أصحاب البنايات والجهات المعنية لاسيما عندما يتم انشاء هذه المجمعات دون أن تراعى فيها أبسط معايير السلامة التي تضمن حماية الارواح، وان السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو كيف يتم بناء مجمعات تجارية ضخمة دون توفير احتياطات السلامة الأساسية؟ حيث من المعروف ان عملية بناء اي منشاة تجارية تتطلب موافقات رسمية من الجهات المعنية، وبما في ذلك السلطات المحلية والبلدية فضلا عن فرق الدفاع المدني المختصة ويجب ان تمر كل خطوة من خطوات البناء عبر مجموعة من الفحوصات والموافقات الفنية التي تضمن توافر معايير السلامة في المبنى، ومع ذلك كيف يتم التغاضي عن هذه المتطلبات وان أصحاب المجمعات او البنايات التجارية قد يتجاوزون هذه القوانين لتحقيق مكاسب مالية مما يعرض الأرواح لخطر جسيم، وفي دولة غنية كالعراق تمتلك موارد مالية كبيرة لكنها تفشل في استثمار هذه الموارد بشكل فعال في استخدام التقنيات الحديثة التي تعزز قدرات الدفاع المدني ومن اهمها استخدام الطائرات لرصد مناطق الحريق، واستخدام أنظمة رش المياة الذكية وأنظمة مكافحة الحرائق الجافة حيث نلاحظ انه رغم الموارد المالية ان الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة لفرق الدفاع المدني لا يحظى بالاولوية كما ينبغي .في الختام ان الحوادث المأساوية التي تنتج عن غياب معايير السلامة في المجمعات التجارية تمثل أكثر من مجرد اخفاقات قانونية فهي تهديد مباشر لحياة البشر، وعلى الرغم من وجود موارد مالية ضخمة في العراق فان غياب الرقابة الفعالة وعدم تطبيق اساليب السلامة الحديثة يعرض الأرواح للخطر بشكل غير مقبول، دور القضاء في هذه القضية لا يقتصر على محاسبة المسؤولين عن الحوادث بل يمتد ليشمل ايضا تحقيق العدالة للضحايا وضمان ان تكون القوانين اكثر صرامة في مجال السلامة . وعلينا ان نؤكد ان سلامة الانسان هي اولوية قصوى وان المسؤولية في تحقيق ذلك تقع على عاتق الجميع من اصحاب المنشآت إلى الجهات الحكومية والمجتمع ككل، لا يمكن ان نسمح بمرور هذه الحوادث دون ان نضع حلا جادا يحمي الأرواح ويضمن حياة آمنة لجميع المواطنين.