القوات الامريكية التي دخلت إلى العراق بوصفها قوة احتلال، و وجودها بهذه الصفة له آثار مهمة في القانون الدولي والمواثيق الدولية، ومنها ما يتعلق بالحق بالمقاومة، إلا أن العراق والولايات المتحدة الامريكية ذهبتا إلى تقنين وجود تلك القوات باعتبارها قوات صديقة، وان وجودها بناء على موافقة العراق، وتم تنظيم اتفاقية (انسحاب القوات الامريكية من العراق وتنظيم انشطتها خلال وجودها المؤقت فيه) وبعد الاتفاق على بنود الاتفاقية، فإنها لا تعتبر نافذة في العراق ما لم يصادق عليها بموجب قانون يصدر من مجلس النواب استناداً لأحكام المادة (61) من الدستور والنصوص القانونية في قانون التصديق على المعاهدات والاتفاقيات، وفعلا تمت المصادقة بموجب القانون رقم 51 لسنة 2008 وأصبحت نافذة بعد نشرها في الجريدة الرسمية (الوقائع العراقية) العدد 4102 في 24/12/2008
لكن هذه الاتفاقية وان أصبحت نافذة، الا ان التزام العراق بها مقرون بشرط يتمثل بأجراء الاستفتاء عليها من قبل الشعب، حيث ان قانون التصديق اشترط ان يتم عرضها على الشعب العراقي عن طريق الاستفتاء الشعبي العام وعلى وفق ما ورد في نص المادة (2) من قانون التصديق والتي جاء فيها (أولاً – تعرض اتفاقية انسحاب القوات الأمريكية من العراق وتنظيم أنشطتها خلال وجودها المؤقت فيه على الشعب العراقي للاستفتاء الشعبي العام في موعد أقصاه يوم ٣٠ تموز ٢٠٠٩. ثانيًا - تنظم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عملية الاستفتاء الشعبي العام وفق مقتضيات الدستور والقانون).
ثم اعتبر التزام الحكومة العراقية بهذه الاتفاقية مقرون بنتائج ذلك الاستفتاء، فاذا نجحت ونالت نسبة التصويت الشعبي، فإنها تصبح ملزمة للحكومة العراقية، اما إذا لم تحقق نسبة التصويت المطلوبة فإنها لا تلزم الحكومة العراقية وتعتبرها متحررة من كل الالتزامات الواردة فيها وعلى وفق ما ورد في المادة (3) من قانون التصديق التي ورد فيها الاتي (تلتزم الحكومة العراقية بنتائج الاستفتاء الشعبي العام.)
وحيث ان الاستفتاء لم يتم لغاية الآن، فهل تعتبر الاتفاقية ملزمة للحكومة العراقية، ام انها تعتبر موقوفة على شرط اجراء الاستفتاء؟ وفي هذا الافتراض فان وجود القوات الامريكية وجود غير شرعي وأنها ما زالت قوة احتلال، وان العراق ما زال تحت الاحتلال، وهذا سوف يجعل من العراق دولة ناقصة السيادة لأنها ما زالت دولة محتلة، ومن ثم سوف ينعكس على جميع التزاماته الدولية ومنها عقد الاتفاقيات بما فيها اتفاقية خور عبد الله.
او قد يرى البعض تفسيرا آخر، بمعنى ان الاتفاقية ملزمة للحكومة العراقية لكن متى ما تم الاستفتاء وقضى بأسقاطها، فان العراق عند ذاك متحلل من جميع ما ورد فيها من التزام وأنها غير ملزمة للعراق، لان نص المادة (3) لم يرد فيه نص بان الاتفاقية لا تنفذ الا بعد الاستفتاء، وانما فقط بان الحكومة العراقية تلتزم بها تبعا لنتيجة الاستفتاء،
وفي الفرض الثاني نجد ان الاستفتاء حدد له تاريخ أقصاه 30/7/2009، ولم يرد فيه أي إشارة إلى جزاء عدم تنظيم الاستفتاء، وهل يعتبر الاستفتاء منتهيا ولا موجب له في حال تجاوز المدة باعتبارها مدة سقوط، وهذا يقودنا إلى فرض آخر، هل تعتبر الاتفاقية منتهية حيث لم يصادق عليها الشعب لعدم اجراء الاستفتاء عليها، باعتبار ان نطاق الاستفتاء الزمني انقضى ولا يمكن العودة اليه،
او قد يرى البعض ان هذه المدة هي تنظيمية وليس مدة سقوط مثلما فسرته المحكمة الاتحادية بموجب قرارها العدد 71/اتحادية/2019 في 28/7/2019 عندما اعتبرت المدة المحددة لأجراء الاستفتاء الواردة في المادة (140) من الدستور بأنها مدة تنظيمية وتبقى سارية المفعول لحين اجراء الاستفتاء، وهذا يعني ان الحكومة ملزمة بأجراء الاستفتاء وعليها ان تلتزم بالنتائج التي تظهر اما بقبولها او رفضها.
مع ان المحكمة الاتحادية العليا قد نظرت في طعنين بعدم دستورية تلك الاتفاقية، الأول تم رد الطعن فيه لأسباب شكلية باعتبار ان الطعن قبل نفاذها، والطعن الثاني رد موضوعاً باعتبار ان الطعن كان ينصب على ان العراق وقت ابرامها لم يكن يملك السيادة لأنه كان تحت الاحتلال الا ان المحكمة وجدت ان الحكومة العراقية مؤهلة لإبرام الاتفاقية.
وفي كل الفرضيات المطروحة نجد ان الوجود الأمريكي ما زال يعتريه العوار وأنه غير شرعي، فاذا افترضنا ان الاتفاقية اسقطت لأن الاستفتاء عليها لم ينظم في المدة المحددة في قانون التصديق عليها، فإن الحكومة العراقية ستكون غير ملزمة باي التزام فيها، اما اذا اعتبرنا أنها سارية المفعول وما زالت نافذة، وأن إبطالها او استمرار العمل بها يكون عند ظهور نتائج الاستفتاء الشعبي العام، وعدم إجراء هذا الاستفتاء تقصير من الجهات ذات العلاقة سواء في السلطة التنفيذية او مفوضية الانتخابات باعتبارها هي الجهة المسؤولة عن تنظيم الاستفتاء، وهو قصور يوجب المحاسبة، لان تنفيذ الاستفتاء التزام قرره القانون وهو نص نافذ.
وبهذه المناسبة أدعو جميع أصحاب الاختصاص إلى إغناء هذه الإشكالية بالبحث والتحقيق والتدقيق، لأن الأثر المترتب على تطبيق نص القانون بإجراء الاستفتاء سوف يخلق مراكز قانونية، قد تؤثر على جميع التزاماته الدولية بما فيها اتفاقية خور عبد الله وغيرها من الاتفاقيات الجائرة التي أرغم العراق عليها.
ــــــــــــــــــ
* قاضٍ متقاعد