اخر الاخبار

هل تنجو الجالية العراقية في أمريكا من سياسة ترامب تجاه المهاجرين؟

ما لا يختلف عليه اثنان من أن هناك اسبابا كثيرة دفعت العراقيين للهجرة خارج وطنهم، إن كان بسبب سياسات الأنظمة البائدة في الإرهاب والحروب أو التمييز الديني والقومي وصولا إلى الاحداث العاصفة بعد العام 2003، وما شهده العراق من حربا طائفية ضروس دفعت الأقليات القومية والدينية، ثمناً باهظا لها مع أنها لم تكن طرفا بها. هذه الخلفية تجعلنا أن نتوقف قليلا، ونراجع ظروف موجات الهجرة وخاصة إلى الولايات المتحدة.

 معروف أن رحلة العراقيين الاوائل الذين قصدوا هذه البلاد بدأت منذ اواخر القرن التاسع عشر لكنها كانت بشكل افراد، وازدادت في الأربعينات بعد ان فُتح باب الهجرة الرسمية عن طريق السفارة الامريكية في بغداد، على أن تصاعد موجات الهجرة بدأ منذ السبعينيات واستمر لغاية اليوم عبر التقديم للجوء الديني (عن طريق المنظمات الكنسية في لبنان واليونان) أو من خلال مكاتب الأمم المتحدة في سوريا والأردن وتركيا ودولا اخرى.

وأدى تمركز العوائل العراقية في أمريكا إلى تشجيع الأهل والأقرباء للالتحاق بهم، لقناعة الكثيرين بأن فرصهم في أمريكا أفضل من العراق، وكان هذا بالتوازي مع تطبيق قانون لم شمل العوائل ولجوء البعض إلى الزواج من أمريكيات لغرض القدوم أو من خلال عقود العمل او حتى من خلال الدراسة الجامعية.

وعلى الرغم من أن النسبة العظمى من العراقيين المتواجدين في أمريكا لهم وضع قانوني صحيح، لكن ذلك لا يمنع بأن توجد شريحة اضطرت إلى اللجوء لأساليب ملتوية بغية البقاء، وكان قسم منهم عن طريق التهريب من كندا او المكسيك او من خلال البقاء حتى بعد انتهاء المدة القانونية للفيزا، ومما شجع على ذلك هو وجود مكاتب محاماة على استعداد لتبني مثل هذه المعاملات الصعبة مقابل أجور باهضة لكنها في اغلب الاحيان، كانت تفلح بإبقاء هؤلاء المواطنين في البلاد وحمايتهم من الترحيل.

إن وجود المواطن في هذه البلاد وبوضع ينطبق عليه القول (قانوني وغير قانوني) يضعهم دائما عرضة لمخاطر طبيعة العلاقات الرسمية بين العراق وأمريكا أولا، ولسلوكية المواطن صاحب الشأن، فإن قيامه بعمليات احتيال او مخالفات او اعتداء وتدخل الشرطة بعد ذلك، سيعرض هذا المواطن إلى خطر السجن،  لا بل حتى إلى الترحيل، وشهدت الجالية حوادث بسيطة ومتفرقة جدا حدثت عبر السنين، لكن الضربة الكبرى كانت في الاتفاق الذي أبرمه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مع الرئيس ترامب في دورته الاولى باستقبال (سجناء) عراقيين مقابل رفع العراق من قائمة الدول التي لا يسمح لمواطنيها بالمجيء إلى امريكا، وكان عددهم في حينها حوالي 115 شخصا، ومعظمهم كان قد مضى عليه في هذه البلاد 20 سنة او اكثر ، ومنهم من تزوج وله اطفال،  بل حتى أحفاد وبعضهم كانت له محلات أو مصالح.

إن ذاك السيناريو عاد ليلقي بظله على بعض الاشخاص في الجالية العراقية (وهؤلاء المعنيين) لهم أهل وأقرباء وربما زوجات وأطفال، إذ ان القضية لا تمس الشخص المعني فقط، بل تشمل امتداداته العائلية أيضا، خاصة مع تزايد تصريحات الرئيس ترامب ووزيرة الهجرة من تهديد المهاجرين غير الشرعيين، ليس بالسجن هنا في امريكا او ترحيلهم لبلادهم، بل الاسوأ من ذلك هو ترحيلهم لسجون ودول لا علاقة لهم بها مثل السلفادور وجنوب السودان!

واتبعت الإدارة الجديدة طرقاً جديدة لبعث الخوف والرعب في أوساط الجالية (ليس كلها بالطبع)، عن طريق التهديد بفتح الملفات القديمة والبحث عن أية مخالفة ممكنة (متعمدة أم غير متعمدة) وبالتالي اعتبار ذلك تزويرا، ومنها أيضا اتهام اي شخص يعارض سياسة الرئيس الجديد او يوجه انتقادا لها، بأنه معاد لأمريكا ولاختيار الشعب الأمريكي للرئيس! وإذا نجا الشخص المعني من هذين الأمرين، فإن أمراً ثالثا ينتظره وهو شعار (معاداة السامية)، وهذه التهمة يمكن أن تركب على اي شخص يبدى اعتراضا على سياسة إسرائيل أو يتعاطف مع الشعب الفلسطيني، ثم تأتي القضية ذات البعد الايديولوجي الخطر، وهي اتهام الشخص بأنه ليبرالي او اشتراكي أو يساري، وبالتالي فهو معاد للقيم الديمقراطية الأمريكية، وهذا مكانه خارج البلاد وبلا نقاش.

إن القضاء الأمريكي ممكن ان يتبنى الدفاع عن المواطن تجاه أي من تلك التهم (وهذه بالطبع يحتاج إلى فريق من المحامين ومبالغ طائلة) لكن فرص النجاح أصبحت ضئيلة في ظل هذه الحملة الاعلامية الشعواء ضد اليسار والاشتراكية، مذكرا البعض ممن يقرأ، بالأجواء التي سادت المانيا عشية فوز هتلر بالانتخابات عام 1933 او بالحملة التي قادها عضو مجلس الشيوخ الامريكي جوزيف مكارثي في عقد الخمسينيات من القرن الماضي.

من المحزن جدا، ألا ينتبه الكثير من ابناء الجالية العراقية إلى الشعارات التي أطلقها (المرشح ترامب) في حملته الانتخابية بمحاربة المواطنين غير الشرعيين في البلاد، وادعائهم بأنه لن يشملهم بسياساته، وهذا ما دفع قسما كبيرا منهم (ومن العرب أيضا) للتصويت له في انتخابات 2024، وها هي الأيام تثبت قصور النظرة السياسية لدى هؤلاء وانبهارهم بالوعود الكبيرة واندفاعهم نحو القائد الضرورة، وكأنهم لم يشبعوا بعد من القائد الضرورة الذين شردوا من نظامه بعد أن ملء البلاد بالسجون والمعتقلات والقبور.

لا أحد من المتابعين يمكن له أن يتنبأ بما ستؤول اليه الأحداث لو وجه الرئيس ترامب ووزيرة الهجرة لمراجعة أوضاع بعض العراقيين (غير القانونية او القانونية الضعيفة) وكيف سيكون رد هؤلاء المواطنين، أو رد الجالية العراقية، آخذين بنظر الاعتبار سياسة الرئيس تجاه المهاجرين (غير البيض) وإنزال الحرس الوطني إلى شوارع لوس انجلوس في كاليفورنيا مطلع حزيران 2025، وكيف يمكن لهذه البلاد ان تزلق إلى حرب شوارع او إعلان الأحكام العرفية حفاظا على أقوال وتصريحات الرئيس القائد.

حزيران 2025