اخر الاخبار

في سياق ما نشره الأستاذ جاسم المطير في الملف الخاص بمناسبة الذكرى الستين لصدور جريدة “طريق الشعب”، واستكمالاً للمعلومات الواردة في مقاله، عدت الى كتابي الموسوم “من أعماق السجون.. نقرة السلمان قيود تحطمت” ولكوني احد شهود هذه القضية اود الإشارة الى المعلومات التالية:

كان السجناء في صباح كل يوم على موعد مع النشرة الإخبارية (الأخبار) اليومية. بعد انتهاء شرطة السجن من عملية التعداد اليومي، وكانت نشرة زاخرة بالأخبار والتعليقات السياسية وكل ما يفيد السجين السياسي في مناحي الحياة المختلفة، ومن ضمنها المقالات السياسية والنظرية التي تخص واقع ومسيرة الحركة الشيوعية العالمية، بالإضافة إلى ما يستجد من حوادث وأخبار سياسية، وكذلك متابعة انتصارات حركة التحرر الوطني في فترة الستينيات من القرن المنصرم، وخاصة كفاح الشعب الفيتنامي البطل لطرد الغزاة الأمريكان عن بلاده.

وكان الكثير من الكتـّاب السياسيين والباحثين يرفد نشرة الأخبار بما تجود به أقلامهم وما تتفتح به عقولهم من مقالات وتحليلات وتنبؤات يعطونها إلى لجنة التنظيم الحزبية، وهي بدورها تحيلها إلى الهيئة المشرفة على نشرة الأخبار لغرض تعميم الفائدة للجميع أمثال عزيز سباهي وكاظم فرهود وجاسم المطير وفاضل ثامر وألفريد سمعان.

كان العاملون في هذا المفصل جنوداً مجهولين من السجناء يتكتمون على عملهم بصورة قصوى من السرية لئلا تتسرب تفاصيل وأسرار العمل إلى إدارة السجن وفلول الحرس القومي وشراذم الأمن المتواجدة في إدارة سجن نقرة السلمان، ولديهم غرفة خاصة تسمى غرفة الأمن.

كانت البداية بسيطة جدا في غرفة الأخبار، التي كانت جزءاً من المخزن، بعد قطع جزء من ارتفاعه بمعنى (طبكه)، وكان العاملون يعتمدون على جهازي راديو يعملان بالبطارية من نوع سانيو ياباني، حجم الراديو الواحد (20سم× 30سم)، مع جهازي تسجيل أبو الشريط نوع توشيبا ويعمل على البطارية أيضا، وذلك بسبب عدم وجود الكهرباء في تلك الفترة داخل السجن. وكان حجم المسجل الواحد (25سم× 40سم) يعمل بها الكادر الإخباري ليلا، وبعد الانتهاء من العمل يتم إخفاؤها في مخبأ خاص. وكان العمل يستمر في اغلب الأوقات إلى ما بعد منتصف الليل لمتابعة آخر الأخبار والأحداث السياسية. كان المسؤول المباشر عن نشرة الأخبار وكادرها هو المرحوم (سامي أحمد العباس) عضو لجنة التنظيم الحزبي، يعاونه في المتابعة والالتقاط (سامي أحمد البدر) الكويتي الجنسية، وكذلك الكاتب والأديب الكردي (محمد الملا عبدالكريم المدرس)، والشهيد شعبان كريم، و(عبدالقادر العيداني) و(محمد جاسم الشريفي) و(عبدالزهرة ديكان).

بعد أن توسعت مهام النشرة الإخبارية ولعدم استيعاب المكان المخصص للعاملين فيه، فقد انتقلوا إلى غرفة المطبخ مباشرة ()، يسكن فيها بشكل دائم عبدالقادر العيداني لغاية نهاية عام (1968م) حيث أُطلق سراحه.

يبدأ نشاط العاملين في حقل نشرة الأخبار كل يوم من الساعة الرابعة عصرا إلى ما بعد منتصف الليل بساعات، فيتم متابعة واستماع اغلب الإذاعات العالمية، ومحطات الإذاعة للدول الاشتراكية التي يصل بثها إلى سجن نقرة السلمان.

يولي كادر الإنصات الاهتمام الأكبر إلى إذاعة صوت الشعب العراقي (إذاعة الحزب الشيوعي العراقي) التي كانت تبث برامجها من بلغاريا وعلى فترتين، الأولى ابتداء من الساعة (30 ر5 إلى الساعة السادسة عصراً)، والفترة الثانية من الساعة (9 إلى 30 ر9 مساءاً)، ونظراً لأهمية الأخبار والتعليقات السياسية المذاعة فيها ونشاطات الحزب الشيوعي في داخل المدن العراقية وفي جبهات القتال في كردستان والأهوار ضد حكم البعث الفاسد، وضد حكومتي عبدالسلام وعبدالرحمن عارف، كانت إذاعة (صوت الشعب العراقي) في اغلب الأوقات غير واضحة الصوت بسبب كثرة التشويش على البث من قبل الحكام المجرمين، بهدف خنق صوت الحقيقة وللحيلولة دون وصوله إلى المستمعين من أبناء الشعب العراقي.

كان العمل يتم بتسجيل برامج الإذاعة خلال فترة البث الأولى ومن ثم يتم نقلها من المسجل على الورق وترك مسافات على الورق للكلمات غير المسموعة أو بعد مطابقتها مع التسجيل الملتقط في فترة البث المسائي لإذاعة صوت الشعب العراقي. ومن خلال المقارنة بين التسجيلين نتوصل بصعوبة بالغة في بعض الأحيان إلى الهدف الذي يبتغيه المقال أو التعليق السياسي أو الأخبار، ومن ثم نربط الكلمات من خلال فترتي البث، مع التأكيد على عدم الابتعاد عن الغاية الأساسية من التعليق أو المقالة.

كنا نولي الاهتمام البالغ أيضا لحركة التضامن مع الشعب العراقي التي أسسها الفيلسوف البريطاني (برتراند راسل) بمعاونة سكرتيره الشهيد العراقي (خالد أحمد زكي)، دفاعاً عن الحقيقة، وعن مواقف الشيوعيين في أقبية التعذيب البربري ومن خلال المحاكمات الصورية التي كانت تجريها المحاكم العسكرية بحق أبناء الشعب العراقي. وقد أثمرت الحركة عن نتائج طيبة، حيث أرغمت السلطات الحاكمة على إطلاق سراح العديد من المعتقلين والسجناء، كما حدث للرفيقة المناضلة (سميرة مزعل) من فتيات العمارة الباسلات، فقد أُطلق سراحها من سجن النساء في سجن بغداد المركزي، واستقبلها أبناء العمارة، نساءً ورجالاً، بالهلاهل والزغاريد وتوزيع الحلويات والجكليت.

وكان من مهام العاملين في نشرة (الأخبار) متابعة نشاطات حركة الدفاع عن الشعب العراقي التي كان من نشطائها الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري والمرحوم فيصل السامر وعبد الفتاح إبراهيم وعزيز الحاج، والعديد من الساسة والأدباء العراقيين، وكان مقرها في مدينة براغ في تشيكوسلوفاكيا، ومتابعة أيضا نشاطات الأحزاب الشيوعية والقوى التقدمية للتضامن مع الشعب العراقي في نضاله لإسقاط الحكم الدكتاتوري الدموي.

بعد الانتهاء من التقاط النشرة الإخبارية يُعطي الرفيق سامي أحمد العامري الأمر لاستنساخ النشرة على الورق بواسطة ورق الكاربون وأقلام القوبيا حسب الحاجة إليها بين (15-20) نسخة، فيتم استدعاء الكادر المخصص للكتابة الذين يتميزون بالخط الواضح، في ساعة متأخرة من الليل في المكان المخصص لهم خلف الصيدلية والعيادة الطبية. وعلى ضوء (الفانوس) إلى ساعات الفجر الأولى لكي تكون النشرة جاهزة للتوزيع على مسؤولي الردهات والقواويش من قبل (عبدالقادر احمد العيداني)، وبعد عملية التعداد اليومي يتم قراءة نشرة الأخبار من قبل بعض الرفاق ذوي القراءة السليمة والصوت الواضح.