اخر الاخبار

ثورة تموز التي مازالت حية في ذاكرة العراقيين الشرفاء ولمفجرها الانسان العراقي الاصيل الذي حفر اسمه بين تجاويف القلوب.

 في مثل هذه الايام من عام (1958) يستذكر العراقيون بكل اطيافهم وقومياتهم ثورتهم الشعبية الأصيلة  الرابع عشر من تموز (الخصب والولادة )، الثورة التي عملت منذ ساعاتها الاولى على إحداث تغييرات جوهرية في جميع المجالات، هذه الثورة التي عملت التغيير الجذري الشامل  لتحرير الانسان من العبودية والتمرد على القيود والاوضاع المزرية وتحقيق الحريات الفردية على صعيد حياة الانسان ، وفيها  سطر الجيش وبمؤازرة قوى الشعب النبيل  ملاحم نضالاته وبطولاته عندما اشترك جنوده الأبطال وضباطه الأوفياء للشعب والوطن  تحت قيادة ابن الشعب البار (الزعيم  عبد الكريم قاسم) في أجرأ وأروع عملية ثورية شهدها  العراق عملية تغيير مسار تأريخ العراق المعاصر بإعلان النظام الجمهوري وإرساء دعائمه على أسس العدالة الاجتماعية والمساواة والتحرر والاستقلال الوطني وإقامة مؤسساته كاملة وبسرعة لا مثيل لها وإعلان النظام الجمهوري  الديمقراطي الموحد وتشكيل الحكومة الوطنية من ممثلي الفصائل الثورية والاحزاب المؤتلفة بجبهة الاتحاد الوطني ).

وتعتبر الثورة من أهم الأحداث المؤثرة في ذلك الوقت ولا تزال فكانت علامة مميزة على بداية لعهد جديد في الشأن العراقي عهد يعترف بحق المساواة والحرية لكل فرد في مساحة وطن الرافدين.

هذه الثورة كان لها  شرف الريادة ،بأن يكون عامل نجاحها الأساسي هو دعم الشعب بكافة انتماءاته القومية والعرقية ، والتفاف الجماهير الثائرة حول ضباط الجيش الاحرار من الساعات الأولى لإعلان البيان الأول  لتحركهم الشجاع ،وتعاون الحركة الوطنية وتوحيد كلمتها في دعم الثورة والثوار، وكان الحزب الشيوعي العراقي على دراية تامة بهذا اليوم التموزي الحاسم وقد هيأ كوادره قبل يومين من تفجيرها لدعم انطلاق الثورة في رسالة داخلية ، وكان  أيضا على علم بان تفجير الثورة بات  وشيكا فان قيادة الضباط الأحرار استفسرت منه بواسطة رسولها المناضل (رشيد مطلك ) الذي لعب دور الجندي المجهول في الثورة ،عما اذا كان الحزب مستعدا لإنزال الجماهير إلى الشارع ، فأبدى الحزب كامل استعداده لهذا الحدث الجلل واتصل رشيد مطلك بالقيادة عن طريق الهاتف قائلا (العمالة حاضرين ) وعلى إثر ذلك مباشرة أصدر الحزب توجيهاته آنفة الذكر لتهيئة كوادره ومنظماته التي انطلقت إلى الشارع صبيحة  اليوم التموزي الاغر  .

وإذا بالجماهير العراقية التي كانت في أعلى مزاج ثوري في مدن العراق تكتسح قذارات النظام العميل القديم وتزيح عن سماء العراق الصافية المشرقة غيوم الاستعباد ونجحت الثورة بامتياز في تجسيد صورة نقية لمفهوم التغيير في بنية المجتمع العراقي وعملت بجد وتفان على هدم الكيانات البالية لمنظومة الدولة العميلة واقامة بديلها اسس وركائز الدولة المدنية الحديثة

 وقد شهد العراق ما حققته الثورة سيل من الانجازات ونهضة عمرانية كبيرة  و مكاسب للشعب  ولخدمة الفقراء والمساكين المسحوقين  ولكافة المواطنين  دون تمييز وطريقة تعاطيها مع أحلام وطموحات الشعب كانت جديرة بالاهتمام والتقدير من قبل القيادة الثورية ،وان التفاف الجماهير الشعبية حول تلك الثورة والزخم الشعبي المؤيد لها ونزول المواطنين إلى الشوارع ومنذ الساعات الاولى لانبثاقها مناصرين ومدافعين، قد أكسب الثورة البعد الجماهيري ومنحها هويتها الثورية  الشرعية الوطنية ،واستحقت أن ترقى إلى مستوى الثورة الحقيقية الناجمة عن انفجار الجماهير والتعبير الصادق عن تطلعاتها وحبها للحرية والانعتاق من عبودية الاقطاع والنظام الملكي الرجعي العميل .

وثمة أسباب كثيرة موجبة لقيامها فلقد كان الظلم والارتباك والبؤس متفشيا وكانت الحكومة تتصف بانعدام الكفاءة والرجعية وهناك فوارق كبيرة بين طبقات المجتمع العراقي وكانت الطبقات من الصعب التأثير على حكومة البلاد الرجعية المرتبطة بالعمالة الاجنبية وبالإمبريالية العالمية.

اما العدالة فكانت معدومة وساءت الأحوال العامة بشكل خاص بعد اعدام كوكبة من المناضلين البواسل قادة الحزب الشيوعي العراقي عام (1949) الرفيق الشهيد (فهد ورفاقه الأبطال حازم وصارم) وفي هذا الوقت كان باستطاعة الحكومة القاء القبض على أي شخص دون محاكمة ولأي سبب كان ولأي مدة كانت وكان الفقراء في شظف عيش وعذاب شديد.

وفي تلك الظروف القاسية اصبح الوضع في العراق لا يطاق  ولن يحتمل ولن يدوم ولا يمكن ان يدوم طويلا هذا ما نشرته جريدة (اتحاد الشعب) التي كانت تطبع سرآ مقالها الذي نشر في أواخر ايار (1958) تحت عنوان (الحكم الأسود ...اقتربت نهايته ) وجماهير شعبنا على اختلاف طبقاته تشعر بأن هذا الحال يجب ان لا يستمر  ولم يعد يطاق والواقع، وان هذا التحسس العام باستحالة دوام الحال على ما هو عليه ،ليس سوى صدآ وانعكاسا لتفاقم التناقضات واستحالة التوفيق بينها، وتعبيرا عن الازمة التي توشك ان تخنق انفاس الحكم الملكي العميل.

وبناء على تطور الاحداث السريع ولاستعداد جميع فئات الشعب للإطاحة بنظام الحكم العميل التي اصبحت قضية حياة او موت بالنسبة له، أصدر الحزب الشيوعي العراقي توجيه عام إلى كافة منظمات الحزب التي كانت تحت الانذار لمجابهة التطورات السريعة في (12/7/1958).

 هنا نود ان نشير إلى أن ثورة تموز لم تكن انقلابا عسكريا كما يفسره ضعاف النفوس واعداء الثورة بل هي ثورة الجيش والشعب بمساندة الجماهير الشعبية المنتفضة في عموم البلاد، فالانقلاب عندما يحدث يستبدل وجوها بأخرى كانت متسلطة على رقاب الشعب من دون المساس الجوهري بأحوال الشعب. ويبقى الرابع من تموز والاحتفال بذكراها واجب وطني ودين بأعناق العراقيين الشرفاء متمسكين به.

  وعمدت ثورة تموز  منذ ايامها الأولى إلى تهديم النسيج الاجتماعي البالي  القديم من خلال تحرير الثروات الوطنية من ايدي الشركات الاحتكارية الاجنبية ومن خلال منطق العدالة الاجتماعية الصارم الذي اعتمدته الثورة في توزيع الثروات ووضعت الأسس الاولى للنهضة المدنية الحديثة للعراق ،وتحرير العملة العراقية من الاسترليني وتأميم النفط من الشركات الاحتكارية وقانون الاحوال الشخصية للمرأة وضمان حقوقها في المادة (57/ المرقم /188/ لسنة /1959) وكثير من الاصلاحات الثورية حيث ( يقول الزعيم  لنا في كل يوم ثورة ) وهذه المقولة تعَود على ترددها في كل مناسبة او افتتاح مصنع او مشروع خدمي في أرجاء البلاد وهذه المنجزات في نظره هي عمل ثوري بحد ذاته (وعند افتتاحه لمعمل تعليب كربلاء ،قال إن ثورة تموز جاءت استمرارا لثورة الحق على الباطل التي رفع لواءها الامام الحسين .ع.) فقد وضعت الثورة الأسس الصحيحة لصناعة عراقية متقدمة في فترة حكمه القصير وفيض الانجازات  التي تصب في مصلحة الشعب والوطن ،ولقد كان الزعيم  العسكري والقائد الثوري  رجلا إصلاحيا مؤمنا برسالته وتمتعه برجاحة التفكير، بان الجمهورية العراقية الحديثة ثمرة ( 14 تموز) المباركة ، لم تكن وليدة صدفة وانما جاءت تتويجا لنضال الشعب العراقي بكافة اطيافه منذ ثورة العشرين  وحتى قيامها..  تلك الثورة التي اصبحت املآ للمحرومين والفقراء والمساكين.. ولقد كرس الزعيم حياته للاهتمام برفع مستوى معيشة الفقراء والضعفاء من أبناء الطبقات الكادحة.

 ونحن اليوم في عراق الحضارات ومن مهام  الحزب الشيوعي العراقي ونضاله المستميت  ومع فئات الشعب  كافة نطالب  جميع قوى الشعب والجماهير المنضوية تحت خيمة العراق الموحد  ان تتكاتف مع كل الجهود العراقية  الخيرة وأن تضع خلافاتها جانبا  ولنرتقي فوق المصالح الفئوية والشخصية الضيقة  ولنعمل بنكران ذات وانتماء وطني حقيقي  من أجل العودة ببلادنا إلى السكة الصحيحة  مع سلم الانجازات والبناء الحضاري متجاوزين بتحد وثبات طبيعة المرحلة الراهنة الصعبة التي يمر بها العراق ودول الجوار (الشرق الاوسط ) مستذكرين ما حققته ثورة  تموز الخالدة من مكاسب وانجازات لاتزال معالمها  شاخصة  وجاءت من خلال النزاهة والعمل الدؤوب المخلص لإعلاء بنيان الوطن العزيز الغالي ولإقامة الدولة المدنية الديمقراطية دولة العراق الموحد  ،وليكن يومها عيدا وطنيا  يحتفل به كل العراقيون بكافة انتماءاتهم القزحية من كل عام.