اخر الاخبار

تحلّ الذكرى السابعة والستون لثورة الرابع عشر من تموز 1958، ذلك الحدث التاريخي الذي أعاد تشكيل ملامح الدولة العراقية، وأنهى حقبة طويلة من التبعية والاستبداد، لتفتح الثورة الباب أمام حلم بناء عراق جديد، مستقل، ديمقراطي، ينهض على أسس العدالة الاجتماعية والسيادة الوطنية.

لقد كانت ثورة تموز انتصاراً ساحقاً لقوى الخير والتقدم، وتعبيراً عن الإرادة الشعبية التواقة للتحرر من سطوة المعاهدات الاسترقاقية والأحلاف العدوانية، وتحرير البلاد من القواعد العسكرية الأجنبية التي كانت منتشرة على طول البلاد وعرضها، وتهدد أمنها واستقلالها، بل وسلامة المنطقة والعالم بأسره.

إنجازات بحجم الثورة

منذ لحظاتها الأولى، لم تكن ثورة تموز مجرد انقلاب على نظام حكم، بل كانت مشروعاً وطنياً متكاملاً، أثمر عن تحولات جوهرية في بنية الدولة والمجتمع. فقد أقرّت الثورة قانون الإصلاح الزراعي، والبيان رقم 80 الذي وضع حداً لهيمنة الشركات النفطية الاحتكارية، وحرمها من استغلال موارد العراق. كما حرّرت الثورة أكثر من 99.5% من سلطة الاحتكارات الأجنبية، وأصدرت قوانين تقدمية تحفظ حقوق العمال، وتحدد ساعات العمل، وتضمن حرية التنظيم النقابي والحزبي.

وشهد العراق في ظل الثورة تشريع الدستور المؤقت، وصدور قانون الأحوال الشخصية رقم 188 الذي شكل نقلة نوعية في ضمان حقوق الأسرة، لاسيما المرأة، وأعلن عن قيام الجمهورية العراقية الديمقراطية بدلاً من النظام الملكي شبه الإقطاعي، مؤسساً لعهد جديد يتبنى سياسات عدم الانحياز، تماشياً مع مبادئ مؤتمر باندونغ.

واحد من أبرز إنجازات الثورة أيضاً كان التأكيد على الشراكة التاريخية بين العرب والأكراد في إدارة الدولة، وهي شراكة تم تثبيتها في البيان الأول للثورة، باعتبارها مبدأ غير قابل للتجزئة أو التنازل.

 عن العنف ومسؤوليات المرحلة

يتحدث البعض عن 14 تموز بوصفه انقلاباً عسكرياً دمويًا، مستندين إلى واقعة مقتل العائلة المالكة، دون التوقف عند حجم القمع والإرهاب الذي مارسه النظام الملكي لعقود طويلة ضد أبناء الشعب، من إعدامات واعتقالات وتشريد ونفي طال حتى أولئك الذين طالبوا فقط بحياة كريمة. كما أن العديد من قادة الثورة أكدوا مراراً أن ما جرى من أحداث مؤسفة لم يكن بأوامر مباشرة، بل تطورات خارجة عن نطاق التخطيط المسبق.

 مفتاح النصر

إن ما ميّز ثورة تموز، وأعطاها طابعها الشعبي والوطني العميق، هو التنسيق الوثيق بين حركة الضباط الأحرار (1954) وجبهة الاتحاد الوطني (1957)، ذلك التحالف الذي أثمر عن لحظة إجماع شعبي حقيقية، تَجسّدت في نزول الجماهير من مختلف المدن، ومن جميع الطبقات والانتماءات، تأييداً ودعماً للثورة.

هذا الدعم الشعبي الكبير، مقروناً بتأييد قوى التحرر العالمية – لاسيما دول المنظومة الاشتراكية والاتحاد السوفيتي – أفشل مخططات إسقاط الثورة من الخارج، رغم التهديدات الجدية، ومنها تحريك الأسطول السادس الأمريكي في البحر المتوسط.

 انتكاسة 1963.. محاولة لوأد الحلم

لكن ما لم يتحقق خارجياً تحقق داخلياً في 8 شباط 1963، حين تحالفت قوى داخلية متضررة من مكاسب الثورة، مع أطراف دولية وإقليمية، لتنفذ انقلاباً دموياً أطاح بأحلام البناء والتحرر، وأعاد العراق إلى نفق الاستبداد والانقسام.

 إرث الثورة.. شعلة لا تنطفئ

رغم كل ما واجهته، لا تزال ثورة 14 تموز حاضرة في وجدان الشعب العراقي، رمزاً للسيادة، ودليلاً على إمكانية التغيير الجذري حين تتوحد الإرادة الشعبية مع القيادة الوطنية. واليوم، ونحن نحيي ذكراها السابعة والستين، فإننا نؤكد أن روح الثورة باقية في كل صوت حر، وفي كل حلم بدولة عادلة، تحترم مواطنيها وتصون كرامتهم.