يتعرض العراق إلى حالة جفاف غير مسبوقة في تاريخه القديم والحديث، وذلك بسبب قيام دول المنبع، وهما الجارتان تركيا وإيران، بقطع مياه نهري دجلة والفرات دون مسوّغ قانوني، ما يُعدّ تجاوزًا على الحصة المائية للعراق. يُضاف إلى ذلك تأثيرات الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية وسوء إدارة الموارد المائية من قبل الجهات ذات العلاقة.
كل هذه العوامل مجتمعة فرضت على وزارتي الزراعة والموارد المائية منع الفلاحين من زراعة بعض المحاصيل، وخصوصًا محصول الشلب (الرز)، باستثناء مساحة ألف دونم فقط لغرض الحفاظ على النوع. هذا الإجراء سيؤثر بشكل كبير على الوضع الاقتصادي للفلاح والمزارع، وعلى الأمن الغذائي لمواطني بلدنا عمومًا، كما سيؤدي إلى تصحر الأراضي الزراعية في حال تركها دون زراعة، ويؤثر سلبًا على البيئة العامة للمجتمع.
كل ذلك يتطلب من ذوي الاختصاص البحث عن بدائل تتلاءم مع الظروف الحالية. وقد طُرحت عدة مقترحات، منها:
- استمرار زراعة الشلب باستخدام ماكنات الشتال، لتقليل فترة السقي إلى شهرين، لكن مع ذلك، فإن الكميات المتوفرة من المياه غير كافية.
- زراعة محاصيل قليلة الاستهلاك للمياه، مثل الماش، الذي يُعطي مردودًا اقتصاديًا جيدًا للفلاح. إلا أن الفلاحين غالبًا ما يرفضون ذلك بسبب ضعف الوعي، واعتبارهم زراعة الشلب جزءًا من التراث.
لهذا، نعتقد أن الحل الجذري يكمن في تغيير نمط الإنتاج، وتحويل الأرض من زراعة الشلب إلى بساتين نخيل وفواكه وحمضيات وخضروات، وهي ذات مردود اقتصادي عالٍ، وتحافظ على جودة التربة وتمنع التجريف والتصحر. ويتطلب هذا التوجه حزمة من الإجراءات، منها:
- تمليك كافة أصحاب العقود الذين يقومون بتحويل أراضيهم إلى بساتين نخيل وفواكه وخضر، ومنحهم سندات ملكية (طابو).
- منح الفلاحين والمزارعين سلفًا زراعية من قبل المصرف الزراعي بفوائد رمزية وتسهيلات إدارية، على أن يبدأ التسديد عند بدء الإنتاج.
- قيام محطات النخيل بتزويد الفلاحين بالأصناف الجيدة، ووفق مشروع وزارة الزراعة السابق، الذي ينص على أن يُقدّم الفلاح مقابل كل فسيلة يستلمها ست فسائل بعد (5–7) سنوات، أو تُمنح لهم الفسائل بأسعار تتناسب مع دخل الفلاح البسيط، على أن يشمل ذلك أشجار الفاكهة الأخرى.
- تجهيز الفلاحين والمزارعين بالمكائن والآليات المتخصصة بالعمل في بساتين النخيل، وتوفيرها من مناشئ رصينة.
- توفير منظومات ري بالتنقيط والرش، بمقاسات وأحجام تتناسب مع طبيعة الأراضي البستانية، وبأسعار مناسبة وأرباح رمزية.
- إنشاء صندوق طوارئ لتعويض الفلاحين المتضررين نتيجة هذا التحول في نمط الإنتاج.
- تنفيذ حملة إرشادية واسعة النطاق في أرياف الفرات الأوسط والجنوب، تتولاها المراكز الإرشادية في المحافظات، والأقسام الإرشادية في مديريات الزراعة.
وأخيرًا، يمكن القول إن هذه الأراضي، وبفضل مساحتها الواسعة، يمكن أن تُزرع بأكثر من (15) مليون نخلة، بالإضافة إلى أشجار الفاكهة والحمضيات والخضروات، ما يساهم في الحفاظ على التربة، وتحسين دخل الفلاح، وتعزيز الأمن الغذائي للمواطن، فضلاً عن زيادة الدخل القومي، والتقليل من التعويضات التي تُقدَّم للفلاحين نتيجة منعهم من الزراعة، خاصة أن هذه البدائل تحتاج إلى كميات قليلة نسبيًا من المياه.
ـــــــــــــــــــــــــــ
- مهندس زراعي استشاري