كنت أسمع بأخباره الطيبة ودوره في النشاط والعمل الجماهيري في الكوت والصويرة وواسط عموماً، كمناضل وطني شيوعي، منذ أيام السبعينيات والجبهة مع البعث، ولكني لم ألتقه مباشرة.
وشاءت الصدف أن تفرق المناضلون والشيوعيون بعد الهجمة البربرية ضد الحزب الشيوعي العراقي في عام ١٩٧٨.
في آيار من عام ٢٠١٢، كان لي شرف حضور المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي العراقي، في مدينة شقلاوة في كوردستان العراق، ممثلاً لرفاقي في منظمة الحزب في السويد، وشددت رحالي من السويد باتجاه الوطن في الكوت، ومن هناك باتجاه شقلاوة، حيث حضيت بصحبة ومرافقة رفاقي من مندوبي محافظة واسط المشاركين في مؤتمر الحزب التاسع، حين أقلتنا سيارة باص صغيرة من الكوت باتجاه مدينة شقلاوة.
في اليوم الذي سبق المؤتمر، كانت لنا فرصة جميلة، حين زارت وفود المؤتمر، مناطق شلالات كلي علي بك ومناطق راوندوز الجميلة.
في هذه الرحلة تعرفت عن قرب على الرفيق والكادر الوطني والشيوعي الرفيق جليل حسون عاصي (أبو نغم)، وكان يشعرك من أول تعارف بمدى طيبته وبساطته وخلقه الثوري الشيوعي، ودون تكلف واصطناع.
وطوال أيام المؤتمر الثلاثة، كانت لي فرصة في الحوار والحديث مع هذا الوطني والشيوعي الشهم، حيث كان للعزيز (أبو نغم) الكثير من العبر والأفكار والملاحظات المفيدة والعملية.
في كتابه المهم (البيت، السياج، الطريق)، الذي وثق به سيرته الذاتية، وهو يسرد بالقص الأدبي الجميل، عن تلك اللحظات والأيام والليالي التي عاشها مطارداً ومناضلاً، في أرياف الصويرة والزبيدية والنعمانية والكوت والحي، وغيرها من أرياف ومدن العراق.
في ٧ آيار ٢٠٢٥، غادرنا (أبو نغم) وهو حتى لحظات وداعه الأخيرة، لم يهن ولم تضعف عزيمة تمسكه بجذور قيمه وافكاره الوطنية والشيوعية، وكانت لحظات مؤثرة ومؤلمة تلك التي عبر عنها وهو يغادرنا، في دعوة القريبين منه على عدم نسيان إيصال مبلغ (بدل اشتراكه الحزبي) لرفاقه.
في رسالة التعزية والمواساة التي أرسلها الرفاق في المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، إشارة لها الكثير من المعاني المعبرة:
(لقد كان الفقيد مثالاً للشيوعي الأصيل، على جميع الصعد، وامتلك وعياً طبقياً وثورياً وجهادية واخلاصاً منقطع النظير، فكان الحزب بالنسبة له فوق كل اعتبار).
والحقيقة تكمن في كل الكلمات التي وصف بها الحزب، سجايا وخصال ومسيرة حياة هذا الشيوعي الباسل المضحي.
يوم الأحد الماضي ١١ آيار ٢٠٢٥، زار وفد من رفاق لجنة محلية الحزب الشيوعي العراقي في واسط، عائلة الرفيق الراحل جليل حسون عاصي، في مدينة الصويرة، وكانت فرصة للقاء مع العزيز علاء جليل حسون، ابن الفقيد، واستذكار الكثير من المحطات النضالية والثورية في مسيرة وحياة الرفيق (أبو نغم).
وفي يوم الاثنين ١٢ آيار ٢٠٢٥، زار العزيز أحمد جليل حسون، الابن الثاني للفقيد، مقر الحزب في الكوت، لتقديم الشكر على اهتمام الحزب بمراسيم التأبين وزيارة العائلة في قضاء الصويرة، وكانت الدموع تنهمر من عينيه وهو يتحدث عن الوصية التي اوصاهم بها الوالد، على دوام واستمرار دفع بدل اشتراكه الحزبي النقدي بدلاً عنه، ومن أجل مواصلة دعم الحزب ومعاضدته.
المجد والخلود لك أيها (المناضل الكبير والباسل)
جليل حسون عاصي (أبو نغم)، وسنظل على العهد في مواصلة طريقك الذي نذرت له الغالي والنفيس، طريق حرية الوطن وسعادة الشعب.