كان الشعر الشعبي العراقي، وما زال صوتاً نابضاً للوجدان الشعبي، ووسيلة مؤثرة في التعبير عن قضايا الناس والهموم التي تثقل كاهلهم. ومن بين الشعراء الذين جعلوا من الكلمة سلاحاً نضالياً، الشاعر فالح حسون الدراجي، الذي اقترن إبداعه بقضايا الوطن وحريته والشعب وسعادته، وجعل من قصائده وأغانيه رسالة تنبض بأهداف الحزب الشيوعي العراقي والقيم التي يؤمن بها ويدافع عنها.
منذ سبعينيات القرن الماضي، استطاع الدراجي أن يصوغ كلماته بحرفية عالية ومشاعر صادقة، محولاً قصائده إلى أغنيات تتردد في ذاكرة العراقيين، تحمل رسائل الأمل والتحدي وتشحذ الهمم. وفي مناسبة الذكرى الـ91 لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي، أجرت "طريق الشعب" حواراً مع الشاعر، للحديث عن تفاصيل الأغنية الأخيرة التي كتبها بمناسبة هذه الذكرى، وتعاونه مع الفنانة بيدر البصري، وتجربته الطويلة التي تمتد لأكثر من خمسين عاماً، وعن دور الشعر والفن في مسيرة الحزب والتحديات التي واجهها خلال مراحل مختلفة من تاريخ البلاد.
شهر الفرح والنضال
قال الدراجي إن آذار ليس مجرد شهر عادي، فهو يحمل معاني كثيرة تلامس الوجدان، إلى جانب كونه موعداً لعيد ميلاد الحزب الشيوعي العراقي، فهو شهرٌ يفيض بالجمال، يحمل معه الخضرة والمطر وأزهار الربيع، ويتكلل بمناسباتٍ عزيزة مثل عيد المرأة، وعيد نوروز، وأعياد أخرى، لكن ذروته تبقى في عيد الحزب الذي يختتم أيامه ويمنحه رمزية خاصة.
دور الشعر في التوعية بالقضايا الوطنية والتقدمية
ولدى سؤاله عن دور الشعر في إيصال الرسائل الوطنية والتقدمية، أجاب الدراجي "لقد كتبت نصوصاً كثيرة مستوحاة من روح الحزب، إذ بلغ عدد الأغاني التي كتبتها للحزب 61 أغنية. كانت البداية في عام 1973 بأغنية 'رسالة إلى فهد'، التي أداها المطرب الشعبي بشير الخزاعي، أحد أصدقاء الحزب، في حفل شبه علني أُقيم بمدينة الثورة قبل إعلان الجبهة بأربعة أشهر."
وأضاف "في تلك الفترة، كنت أشارك كريم العراقي ومجموعة من الرفاق والأصدقاء – ولم نكن أعضاء في الحزب بعد، بل اعضاءً في المنظمات الديمقراطية (اتحاد الطلبة العام واتحاد الشبيبة) - في السفرات التي نُقيمها احتفالاً بعيد ميلاد الحزب، وكنا نعيد صياغة كلمات الأغاني المعروفة لتتناسب مع المناسبة وتعبّر عن روح الحزب وأفكاره."
ويتابع الشاعر الدراجي "أما أول أغنية رسمية كتبتها للحزب، فقد كانت قصيدة 'رسالة إلى فهد'، التي أصبحت نقطة انطلاق لمسيرتي في الكتابة الغنائية ذات الطابع الوطني والتقدمي. ومنذ ذلك الوقت، صرت أكتب أغنية في كل آذار، لتُقدّم بأصوات مختلفة وعلى مدار ظروف صعبة، خاصة في فترة الثمانينيات، حيث كان التعبير الفني عن الحزب ونضالاته محفوفاً بالمخاطر." ويشير الدراجي إلى أن عدداً من الفنانين الملتزمين غنوا كلماته، مثل فؤاد سالم، ومحمد عبد الجبار، وعدنان البريسم، ومالك محسن، وعمر سعد. وقال: "الأغنية، بالنسبة لي، وسيلة فعالة لنقل الرسائل الوطنية والتقدمية، لأنها تخاطب الوجدان وتصل إلى عقل وقلب المتلقي بأجنحة متعددة."
القصيدة الشعبية والحزب
ويتحدث الدراجي عن العلاقة الوثيقة بين القصيدة الشعبية العراقية والحزب الشيوعي العراقي، قائلاً: "القصيدة الشعبية العراقية ارتبطت تاريخياً باليسار، وما أن تُذكر القصيدة الشعبية حتى يُذكر الحزب الشيوعي العراقي، فهما قدّما دعماً متبادلاً ساهم في الارتقاء بالشعر والفن إلى مستويات عالية. لقد ساهم الحزب بنضالاته وجماهيره الواسعة في تعزيز مكانة الشعر والفن الوطني، بينما ساهم الشعر والفن في نشر رسائل الحزب وأفكاره التقدمية."
المشاعر والانتماء
وعن مشاعره يوم إنتمى للحزب يقول الدراجي "عندما أكتب أغنية للحزب، فإن مشاعري وانتمائي يتجسدان في الكلمات بشكل تلقائي. فأنا ابن هذه المسيرة، ابن الحزب الشيوعي. عائلتي ملتزمة بنهج الحزب، فقد كان شقيقي الشهيد خيون حسون الدراجي أحد شهداء الحزب المعروفين، وزوج أختي هو الرفيق حيدر الشيخ علي، وكذلك الشهيد خالد حمادي الذي كان أخاً لزوجتي."
وأضاف "في هذه البيئة صار انتمائي للحزب جزءاً من وعيي ولا وعيي، ومنظومة قيمي الأخلاقية التي لا تسمح لي بارتكاب أي خطأ يتعارض مع ما تربيت عليه من قيم شيوعية. هذا الانتماء ينعكس تلقائياً في كتاباتي، فأنا لا أحتاج إلى التفكير في ترجمة مشاعري تجاه الحزب، لأنها جزء من وجداني المتأصل."
أغنية ورد آذار وبيدر البصري
وعن أغنية "ورد آذار" الأخيرة، قال الدراجي "في هذه الأغنية، حاولت أن أنشر أجواء الفرح والبهجة التي كانت تسود احتفالات الحزب. استعدت ذكريات الاحتفالات في السبعينيات، مثل ذلك الحفل الذي أُقيم في بيتٍ قريب من السدة بمدينة الثورة عام 1972، حيث كانت الأمطار تتساقط وصورة فهد معلّقة عند الباب مع كلمات العهد (ع الباب صورة فهد.. وع الصورة خطّوا عهد.. ينهار حتى الجبل واحنه فلا ننهار)."
وأضاف "اخترت الفنانة الشابة بيدر البصري لأداء الأغنية، لأنها تمتلك ثقافة موسيقية غنية ورصينة، تجمع بين الموسيقى الشرقية التي ورثتها عن والدها الموسيقار حميد البصري، والموسيقى الغربية التي تعرّفت عليها في شبابها. صوتها يجمع بين أصالة أنوار عبد الوهاب البغدادية وحيوية سيتا هاكوبيان البصراوية، لكنها أيضاً تمتلك لونها الخاص الذي أضاف للأغنية بُعداً جديداً." ويتابع "تواصلت مع الملحن علي بدر، الذي أبدع في تلحين الأغنية، ثم اتصلت بأحد الرفاق في هولندا لترتيب التعاون مع بيدر، التي رحّبت بالفكرة بحماسة."
الفن كأداة للنضال
وعن دور الفن في النضال الوطني، قال الدراجي "الفن، وخاصة الأغنية، له دور كبير في النضال الوطني، ليس فقط من خلال التحفيز والتعبئة، بل أيضاً من خلال نشر الجمال والقيم الإنسانية. الحزب الشيوعي العراقي كان دائماً داعماً للفن الجاد، ولذلك نجد أن العديد من كبار الشعراء والفنانين في العراق والعالم كانوا يساريين أو شيوعيين، مثل مظفر النواب، وسعدي يوسف، وعبد الوهاب البياتي، وعريان السيد خلف، ومحمود درويش، وغيرهم."
وأضاف: "ولكن مع ذلك، لا يمكن للحزب أن ينهض بهذا الدور وحده، لأنه لا يملك الإمكانات التي تمتلكها الدولة. وهنا تأتي مسؤولية الدولة في دعم الأغنية الوطنية التقدمية التي تخدم القضايا العادلة، وتسهم في توعية المجتمع."
رسالة لجمهور الحزب
وفي ختام الحوار، وجه الدراجي رسالة إلى جمهور الحزب قائلاً "في ذكرى تأسيس الحزب الواحدة والتسعين، أقول لجمهور الحزب، إن المرحلة التي نمر بها صعبة للغاية، وتتطلب تضافر جهود الجميع لإنقاذ العراق مما يعانيه. لقد تخلّصنا من نظام فاشي جثم على صدورنا لعقود، لكننا اليوم بحاجة إلى تحويل هذا النصر إلى مكاسب لجميع الجماهير."
" إن جمهور الحزب هو الأقدر على التثقيف ومحو الأمية السياسية والفكرية، فالعراقيون وطنيون بطبيعتهم، لكنهم يعانون من التشويش. دورنا اليوم هو إزالة هذه الغشاوة عن أعينهم، والفن يمكن أن يكون أداة فعّالة في هذا الاتجاه." ويختتم الدراجي حديثه بالقول للفنانين التقدميين "لا تنتظروا توجيهات من الحزب لتقديم أغنية وطنية أو قصيدة ملتزمة. المبادرة مطلوبة، وأنا شخصياً مستعد لدعم أي مشروع يهدف إلى خدمة القضايا الوطنية والتقدمية."