اخر الاخبار

ضيّف منتدى "بيتنا الثقافي" في بغداد، السبت الماضي، أستاذ العلوم السياسية د. اياد العنبر، الذي قدم محاضرة بعنوان "أزمة دولة أم أزمة سلطة"، بحضور عدد من قيادات الحزب الشيوعي العراقي وجمع من المثقفين والمهتمين في الشأن السياسي.

المحاضرة التي احتضنتها قاعة المنتدى في ساحة الأندلس، أدارها الأستاذ فاروق فياض، واستبقها بتقديم نبذة عن سيرة المحاضر الضيف، وعن نشاطه العلمي والمهني والبحثي، وأبرز مؤلفاته ومساهماته في مجال الدراسات السياسية والفكرية.

بعد ذلك، استهل العنبر محاضرته بالسؤال الذي يشغل اليوم الكثير من الأوساط الشعبية والسياسية، وهو: هل أن الأزمة العراقية أزمة سلطة أم أزمة دولة؟  

وقال أن الأزمة في البلاد ثقافية وفكرية وسياسية، وأزمة وعي في العلاقة مع السلطة والدولة، مبينا أن هذه الأزمة ليست نتاج اليوم، إنما نتاج تراكمات طويلة تمتد إلى بداية تشكل الدولة بمفهومها المعاصر.

ورأى أن الأزمة العراقية بدأت مع بداية النشاط النفطي في البلاد، نهاية عشرينيات وبداية ثلاثينيات القرن الماضي، حينما تحول الاقتصاد من الاعتماد على النشاط الزراعي إلى النفطي، ما تسبب في انفصال الدولة عن المجتمع، وتحوّلها إلى دولة سلطوية بيدها الثروات.

وأوضح أن الدولة تبقى على علاقة وثيقة بالمجتمع فيما إذا كانت تستحصل منه الضرائب وغير ذلك مما يدعم الاقتصاد، وهذا معيار أساسي في النظام الديمقراطي، مستدركا "لكن من أهم مثالب التجربة السياسية الحالية، هو ان عنوانها ديمقراطي، أما بنيتها الاجتماعية والاقتصادية ليس لها علاقة بالديمقراطية".

وتابع المحاضر قوله ان لحظة اشتداد العلاقة المأزومة مع السلطة والدولة في العراق، كانت بعد 2003 "إذ أصبحت مشكلتنا مركبة. فبداية نحن لدينا أزمة متراكمة سابقة مع الدولة، ثم حصلت لدينا مشكلة ثانية مع السلطة. وهذه السلطة تراكمت علاقتنا المأزومة بها، لكونها تحولت إلى منظومة سلطوية لا تمتلك مشروع دولة، بل انها قزمت الدولة وهمشت مؤسساتها".

وأضاف قائلا: "للأسف، نحن الآن، وبعد 20 سنة من الحكم عقب 2003، عدنا إلى نقطة الصفر، حيث تهميش المؤسسات السياسية".

ثم تحدث عن الاقتصاد الريعي. وقال: "بما أن الحكومات هي من تدير النفط والموارد والاقتصاد، وتوزع الثروات كما تشاء، لا يمكن أن يكون هناك نظام ديمقراطي حقيقي. إذ ستكون العلاقة بين المواطن والسلطة علاقة زبائنية وليس تكاملية"، مبينا أنه "قبل البدء بحل مشكلة العلاقة المأزومة بين المجتمع والسلطة والدولة، يجب التفكير في حل مشكلة الاقتصاد الريعي".

ورأى العنبر، أن السلطة الحالية باتت هشة وتتداعى، والعلاقات بين قواها متناقضة ومضطربة وغير مستقرة، حد انها في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة لم تعتمد في الترشيح على تنظيماتها الحقيقية سوى ما نسبته كأقصى حد 5 في المائة، واستعانت بمرشحين من خارج تنظيماتها ليجلبوا لها الأصوات.

وتساءل: ان هذا النظام، وبكل ما فيه من إشكالات، لماذا لا ينهار؟ مجيبا عن تساؤله بأن هناك أسبابا عديدة تعيق انهيار النظام، منها ان المنظومة السلطوية باتت وظيفتها إدامة الفوضى والفساد وترسيخهما، في ظل غياب المساءلة المجتمعية، وتقبل المجتمع الفاسدين.

وتابع العنبر القول أن السبب الآخر يتمثل في توافق الاقطاعيات السياسية في الحفاظ على هذا النظام السياسي، على اعتبار ان انهياره يعني خسارة كل القوى السياسية، وليس خسارة طرف دون طرف آخر.

ثم عرّف بتوصيفات الدولة الهشة، وأبرزها عدم قدرتها على فرض القانون، وجود مشكلة في علاقتها مع المجتمع، امتلاكها سلطات موازية للسلطات الرئيسة، ضعف سيادتها، فضلا عن وجود مشكلة في علاقتها مع الخارج من حيث تعامله معها كمكونات وأحزاب وليس كدولة.

وخلص العنبر إلى أن شرعية السلطة لا تكمن في كمية الأصوات التي حصلت عليها في الانتخابات، إنما في قوة علاقتها بالمجتمع.

وأثارت المحاضرة مداخلات قدمها العديد من الحاضرين، وعقّب عليها المحاضر بصورة ضافية.

وفي الختام، قدم وزير الثقافة الأسبق ورئيس تحرير "طريق الشعب" الرفيق مفيد الجزائري، شهادة تقدير باسم المنتدى إلى د. اياد العنبر.