في ظل ارتفاع معدلات البطالة في العراق وضعف تفعيل القطاع الخاص، ومع تطور التكنولوجيا، ظهرت أعمال تعتمد على الإنترنت بشكل كامل، حيث أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي مصدر رزق للعديد من الشباب والشابات. هذه المهن تشهد تطورًا مستمرًا داخل هذا العالم الرقمي، ما يفتح آفاقًا جديدة للابتكار والفرص. لكن يبقى التساؤل: هل يلبي الإنترنت في العراق احتياجات المواطنين، خاصة مع إطلاق باقات جديدة؟
وفي الآونة الأخيرة، أصبحت متاجر الإنترنت والمنصات الرقمية جزءًا لا يتجزأ من الحياة المهنية والشخصية، حيث باتت توفر فرصًا للأشخاص الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف فتح متاجر تقليدية.
وتشمل هذه المتاجر مجموعة واسعة من المنتجات مثل الألبسة والصناعات اليدوية. كما شهدنا انتشارًا واسعًا لصناع المحتوى وصفحات الترويج للمشاريع والأفكار والمؤسسات.
في العراق، يعاني المواطنون منذ سنوات من سوء خدمة الإنترنت، خاصة مع تعطيلها في أوقات الامتحانات، ما يؤثر سلباً على الحياة اليومية والمهنية.
مشاريع وخطط
تحدث النائب عباس عقيل الفتلاوي، عضو لجنة النقل والاتصالات في البرلمان، عن أسباب تلكؤ خدمة الانترنيت في البلاد، معرباً عن استيائه من تردي الخدمة.
وقال الفتلاوي، أن لجنته خاطبت وزارة الاتصالات عدة مرات بهدف تحسين الخدمة، إلا أن الاستجابة كانت دون المستوى المطلوب.
وأضاف الفتلاوي في حديث مع "طريق الشعب"، أن "الوزارة تقدم مشاريع وخططاً واسعة، إلا أن هذه المشاريع لم ترَ النور حتى الآن"، مضيفاً أن "الكلام جميل، لكن الأفعال لم تتوافق مع ما تطرحه الوزارة".
وأوضح الفتلاوي، أن هناك تلكؤا واضحا في عمل الوزارة، خاصة في ما يتعلق بخدمة الإنترنت، وأن لجنة النقل والاتصالات استضافت الوزيرة والكادر المتقدم في الوزارة لمناقشة تحسين الخدمة. ورغم تلقيهم وعوداً بتحسين الأوضاع، إلا أن النتائج على أرض الواقع كانت غير ملموسة، ولم يكن هناك تغيير فعلي يمكن أن يستفيد منه المواطن العراقي.
وأضاف، أن "الوزارة تكرر وعودها بأن التحسينات ستأتي في المستقبل القريب، لكن هذه الوعود لم تتحقق"، مشيراً إلى أن "العراق يمتلك الإمكانيات المالية والتكنولوجية التي تمكنه من توفير خدمة إنترنت أفضل للمواطنين، بما يتناسب مع حجم الموازنات الكبيرة للدولة".
كما أكد أهمية "تحسين خدمة الإنترنت في ظل التوجه العالمي نحو التواصل الإلكتروني"، مشيرا إلى أنّ "ضعف الخدمة يؤثر سلباً على العديد من الجوانب الحياتية، مثل إنجاز المعاملات الحكومية وتجديد الوثائق وخدمة الكي كارد والدفع الالكتروني في محطات الوقود".
واختتم الفتلاوي تصريحه بأن اللجنة لا تنتظر طويلاً، وستتخذ خطوات قادمة تجاه الوزارة إذا لم يكن هناك تحسن حقيقي في خدمة الإنترنت.
وأطلقت وزارة الاتصالات شباط العام الماضي، خدمة الإنترنت المدعوم، مبينة أن الخدمة ستقدم 10 غيغابايت مجانية لكل عائلة، وذلك بغية دعم العوائل المتعففة، فيما ستوفر الوزارة خدمة بسعة 100 غيغابايت قابلة للتجديد وبسرعة غير محددة لقاء مبلغ اشتراك لا يتجاوز 15 ألف دينار (10 دولارات)، ومنذ ذلك الحين لم يسمع أحد عن الأمر شيئًا.
ضعف الجودة وارتفاع التكلفة
يقول د. حسن فلاح فخر الدين، أكاديمي ومختص في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات: أنه "برغم الترويج الذي تقوم به وزارة الاتصالات لتحسين خدمة الإنترنت، بما في ذلك إطلاق خدمة الإنترنت المدعوم وتوسيع نطاق الجيل الرابع (4G)، إلا أن الواقع الحالي للإنترنت في العراق ما زال بعيدًا عن تلبية احتياجات المواطنين".
ويضيف فخر الدين خلال حديثه لـ "طريق الشعب"، أن "الخدمات المقدمة تعاني من مشاكل كبيرة، أهمها ضعف الجودة وارتفاع التكلفة"، مضيفا أن "الوعود الحكومية بتحسين البنية التحتية وتقليل التكاليف لم تؤدِ إلى تحسين ملموس يشعر به المواطنون في حياتهم اليومية".
واستدرك قائلاً، "أكدت تقارير محلية ودولية أن الإنترنت في العراق يعاني من أوجه قصور متعددة، حيث تصنف البلاد ضمن الدول المتأخرة في جودة الإنترنت على مستوى العالم".
وأضاف حسن أن "هذا الوضع يؤثر بشكل مباشر على الأعمال التجارية والتجارة الإلكترونية، فضلاً عن الحياة اليومية لمستخدمي الإنترنت الذين يعتمدون بشكل كبير على هذه الخدمة".
وتابع، أن "وزارة الاتصالات لم تتمكن بعد من معالجة الجذور الحقيقية للمشاكل التي يعاني منها قطاع الإنترنت"، محذرًا من أن "احتكار الشركات الكبرى للسوق وارتفاع الأسعار مقابل خدمة رديئة يضع العراق في موقف صعب مقارنة بدول الجوار".
وفي الختام، دعا فخر الدين إلى "إعادة النظر في السياسات المتبعة"، مشددًا على ضرورة إيجاد حلول جذرية تعيد الثقة للمواطنين في الخدمات المقدمة من الدولة، محذرا من أن "استمرار الوضع الحالي دون إصلاحات جوهرية سيبقي العراق بعيدًا عن تحقيق طموحات مواطنيه في الحصول على خدمة إنترنت تتناسب مع ما يتم دفعه من أموال، وتواكب التقدم التكنولوجي في بقية دول المنطقة".
شركات تحتكر الخدمة
يقول الاكاديمي في الجامعة التكنولوجية حيدر ناصر، ان ابرز العوامل التي تسهم في تدهور جودة الإنترنت في العراق، تعود الى بعض الوكلاء الذين يسيطرون على الأسعار، ويضغطون على الشركات للحصول على عروض تحقق لهم أرباحا إضافية، دون الالتزام بالتسعيرة الرسمية.
ويرى، أن "تحسين جودة الإنترنت في البلاد لن يتحقق إلا إذا خفضت وزارة الاتصالات تكلفة نقل السعات عبر الوكلاء".
ويضيف ناصر لـ "طريق الشعب"، أنه "مع تبني العراق سياسات الدفع الإلكتروني، باتت الحاجة ملحة إلى إنترنت عالي الجودة لتشغيل أجهزة الدفع الإلكتروني".
ويشير ناصر الى أن الطلب على هذه الخدمات سيزداد بشكل كبير، مشبهًا هذا التطور بالاعتماد على خدمات توصيل الطعام والتسوق عبر التطبيقات، التي تحتاج إلى اتصال إنترنت سريع ومستقر.
وعلى الرغم من التحسن الطفيف في جودة الإنترنت بفضل تطبيق خدمة الألياف الضوئية، إلا أن العراق ما زال يعاني من غياب الإنترنت غير المحدود. يتمثل ذلك في بيع 10 غيغابايت للمستخدم ليستهلكها خلال فترة معينة، بدلاً من تقديم إنترنت مفتوح يمكن أن يصل استهلاكه إلى 50 غيغابايت شهريًا. هذه السرعات البطيئة والمتغيرة تمر دون أن يلاحظها أحد.
ويبين، أن "وزارة الاتصالات، لم تقدم معلومات شفافة حول جودة الإنترنت أو الأهداف التي تسعى لتحقيقها في هذا المجال، ما يحول دون قدرة المختصين على تقييم الوضع بشكل دقيق".
ويضيف، ان "تكلفة الخدمة الشهرية للإنترنت التي تقدمها الشركات الأهلية في العراق تتراوح بين 35 ألف و180 ألف دينار عراقي. إلا أن هذه الأسعار لا تتناسب مع مستوى الخدمة".