اخر الاخبار

أحتفل الشيوعيون العراقيون، وأصدقاؤهم، بمناسبة مرور تسعين عاما على تأسيس حزبهم، الذي عمد مسيرته بدماء قوافل من الشهداء وتضحيات مناضليه، في مواجهات مختلف الأنظمة القمعية، التي قارعوها، بمختلف وسائل النضال، ويحتفلون هذه الأيام، بيوم الصحافة الشيوعية العراقية، بمناسبة صدور جريدة «كفاح الشعب»، كأول صحيفة شيوعية عراقية، في31 تموز 1935، وبشكل سري، كصحيفة مركزية ناطقة باسمه نشرت أفكاره وسياسته.

وطيلة مسيرته المجيدة، لعب إعلام الحزب الشيوعي العراقي، دورا بارزا ومهما، في نشر الوعي التنويري والمطلبي بين الجماهير، إذ اجتهد الشيوعيون ــ ومازالوا ـ في إدراك وتطبيق المبدأ اللينيني بكون (الصحيفة ليست فقط داعية جماعية ومحرضا جماعيا، بل هي في الوقت نفسه منظم جماعي)، لكن العالم يتطور بشكل متسارع، وتغيرت احتياجات الناس ومستوى وعيهم وطرق تواصلهم، فترافقا مع التطور العلمي، وانتشار الفضائيات وظهور وسائل التواصل الاجتماعي، لم تعد  تنفع الأساليب القديمة، التي اجتهد في استخدامها الرواد الأفذاذ في التوجه للجماهير ومخاطبتهم. لم يعد مجديا التسلل في الليل بروح مجازفة بطولية لخط شعار على الحائط يقرأه العشرات من الناس لتحريضهم، إذ يمكن الآن بكبسة زر في الكومبيوتر نشر مئات الشعارات على حيطان وسائل التواصل الاجتماعي التي يتابعها الملايين. هكذا نجد الكثير من محبي الحزب واصدقائه ومحبيه، يتشكون من كون إعلام الحزب الشيوعي العراقي لم يعد يلبي كل ما يريده الناس، فهل الخلل في أسلوب العمل؟ في عموم خطاب الحزب السياسي؟ في كفاءة العاملين؟ في نوعية الأدوات أو كيفية استثمارها؟ كيف يمكن استنهاض إعلام الحزب الشيوعي العراقي ليستعيد بريق مجده، حيث كانت صحافة الحزب السرية توزع أعدادا أكثر من الصحف العلنية الرسمية؟

ليس سرا، بأن الحزب الشيوعي العراقي، كمؤسسة سياسية اجتماعية، تواجهه تحديات ليست قليلة في عملها، وسط ظروف ذاتية وموضوعية تحيط به، تبدو معقدة في بعض من جوانبها، وتجعل مهامه التنظيمية والفكرية والإعلامية أصعب يوما بعد يوم، لكن ما هو الحل؟ أو كما يقول السؤال الذي طالما تردد في الادبيات اللينينية: ما العمل؟

لا توجد خلطة سحرية تؤدي إلى جواب سريع وبسيط في عمل الشيوعيين، فلينين بنفسه طالما ردد في كتاباته ( ان النظرية رمادية لكن شجرة الحياة خضراء)، هذا يقودنا إلى أن الأمور لا تتغير بقرار من هيئة قيادية أو رغبة شخص ما، إن الواقع الاجتماعي والتغيرات المتسارعة هي من تقود لاكتشاف الحلول، والخالد فهد، كرر في كتاباته بأن  المبادئ الماركسية اللينينية  (ليست بـ»إلياذة» تغنى على الرباب أو «قفا نبك» تعلق على الجدار) فهو يقول لنا أنها ( وضعت كدليل للعمل، اي انها وضعت للحياة فأننا لا نحترفها بترديدنا إياها دون فرضها على الحياة) فهذا يدفعنا لاستنتاج أن الشيوعيين أولا وأخيرا يجب ان يكونوا بين الناس، في خضم معترك حياتهم، ليسوا معزولين عنهم بأي شكل كان. هكذا عاش الشهيد الخالد فهد بين الناس، وكتب أهم مقالاته ومؤلفاته وقاد نشاطات الحزب وهو يعيش بين الناس. وكان الشهيد الخالد سلام عادل يقود دراجته الهوائية متنقلا من باب لباب وهو يكتب رسائله الأخيرة التي دعت لمقاومة انقلابي شباط 1963.

إن ابتكار أساليب عمل نضالية وخصوصا إعلامية جديدة، تصل للناس وتعكس همومهم، لا يحتاج فقط مواكبة التطور العلمي وامتلاك أجهزة اليكترونية متطورة، بل يحتاج إلى كادر مهني مختص، يجيد استخدام ذلك بشكل يفهمه الناس ويعبر عن مطالبهم وأحلامهم، يحتاج مناضلين يفهمون نبض الشارع من خلال التواجد فيه حتى يمكنهم ان يكونوا في المقدمة، طليعة للجماهير للتعبير عن تطلعاتها، مسلحين بخطاب سياسي واضح النبرة يقف إلى جانبها ويعبر عن همومها وتطلعاتها.

ومن هنا أيضا، فان العمل بين صفوف الجماهير والتوجه للشبيبة والطلبة والنساء، هو من الأوليات التي يتطلب ان يضعها مناضلو الحزب في أولويات عملهم، حيث يمكن اكتشاف المواهب الفنية والإعلامية، التي يمكن زجها في النشاط الإعلامي، فماكنة الحزب الإعلامية بحاجة إلى دماء جديدة تواكب تطورات العلوم والتغيرات في المجتمع، ولا يشترط ان يكون الإعلامي الناجح والمناسب كادرا حزبيا، بل أن صديقا للحزب يتفهم سياسته وبرامجه سيكون قادرا على أداء مهمته الإعلامية بنجاح والأهم بحرفية ومهنية عالية.

يدرك كثيرون أن الصعوبات المالية التي يواجهها الحزب الشيوعي العراقي تعرقل إمكانية امتلاكه لقناة فضائية خاصة به، لكن السؤال الذي يمكن مناقشته: إلا توجد بدائل عن ذلك؟ ألا يمكن استثمار الفضاء الاليكتروني لإنتاج برامج تلفزيونية بكفاءة عالية، أو مثلا ما يسمى الآن (بود كاست)، للتعريف بسياسة الحزب وبرامجه وتوجهاته الفكرية؟ كيف القيام بذلك؟ ماذا نحتاج لأجل ذلك؟ إلا يمكن الاسترشاد ببعض التجارب الإعلامية الناجحة لرفاق وأصدقاء للحزب والتعلم والاقتداء بها؟

إن إعلام الحزب الشيوعي العراقي، مدعو لإقامة ورش عمل متواصلة، تدرس أهمية ابتكار وامتلاك أساليب عمل إعلامية جديدة، ممكنة التطبيق، يدعمها خطاب إعلامي جماهيري حيوي، ليبقى إعلام الحزب ميدانا للأفكار التقدمية، ومعبرا عن هموم جماهير الشعب الكادح وطموحاته وأماله، وقريبا إلى نبض المثقفين، وينادي ببناء عراق، بديمقراطية حقيقية، عراق فيدرالي، تعددي، ينعم فيه المواطن العراقي بحياة حرة كريمة تحت ظل القانون، بعيدا عن أي فكر تعسفي ظلامي، يصادر حق الإنسان في الحياة الحرة الكريمة الآمنة.

عرض مقالات: