الكاتب الشيوعي شمران الياسري، المعروف باسم (أبوگاطع)، يُعدُّ من أبرز الكُتّاب الساخرين في العراق. اشتهرت أعماله بنقدها اللاذع والسخرية الهادفة، حيث استخدم هذا الأسلوب في مقالاته الصحفية ورواياته وبرامجه الإذاعية ليعبر عن قضايا المجتمع العراقي، وبخاصة الريف والفلاحين. ما يميز أبوگاطع عن غيره من الكُتّاب أنه لم يكتب من منظور خارجي، بل عاش ظروف الريف مع الفلاحين والإقطاعيين، فكان جزءاً من الواقع الذي وصفه في كتاباته. اعتمد أبوگاطع على أسلوب السخرية لنقد الأوضاع السياسية والاجتماعية في العراق. كان يحرض المظلومين على المطالبة بحقوقهم وكان معارضاً سياسياً، مما جعله هدفاً للملاحقة بسبب مواقفه. كان حريصاً على نصرة الشعب والدفاع عن حقوقه ضد الظلم، ونقلت كتاباته هذا الالتزام الوطني عبر عموده الصحفي وبرنامجه الإذاعي «حجيّه بصراحة يابو كَاطع». أصدر أبوگاطع رباعيات روايات أدبية عكست هموم الفلاح العراقي المضطهد وهي: «الزناة»، «بلابوش دنيا»، «غنم الشيوخ»، «فلوس حميّد»، و»قضية حمزة الخلف». وقدم في هذه الرباعيات وصفاً مفصلًا لحياة الريف وكيف كانت الظروف السياسية والاقتصادية تؤثر على المجتمعات الريفية. عندما نقرأ أعمال أبوگاطع، نجد أنه يعبر بصدق عن المجتمع الريفي، في حين أن العديد من الكُتّاب الآخرين كانوا يكتبون عن الريف من منظور خارجي. فقد نشأ أبوگاطع في الريف العراقي، وكان محملًا بموروث شعبي عريق وخزين من الحكايات الشعبية والفلاحية التي تحمل نكهة الريف بكل سلوكياته وأعماقه التاريخية. أبوگاطع جعل السخرية وسيلة فعّالة للتعبير عن قضايا الشعب، وقد اكتسبت أعماله شهرة خاصة بسبب استخدامه لشخصية «خلف الدواح» كوسيلة للتعبير عن هموم الفلاحين والمجتمع الريفي. وقد كانت صحيفة «طريق الشعب»، الناطقة باسم الحزب الشيوعي العراقي، تخصص مساحة لعموده الصحفي «بصراحة»، الذي أصبح معياراً لقياس نبض الأوضاع السياسية والاجتماعية في العراق. ذات يوم، قررت أن أقرأ أحد أعمدة أبوگاطع لوالدتي، التي ولدت في ريف ناحية غماس في محافظة الديوانية، لأرى كيف تتفاعل مع أسلوبه الساخر. كانت جلسة العصر تلك، مع الشاي والكعك، مليئة بالحيوية، ووالدتي تلعب دور المحور، وهي تصب الشاي وتوزعه على الحاضرين. هذه الجلسة أكدت لي مدى التأثير الذي يمكن أن يحدثه عمود أبوگاطع على الأشخاص من خلفيات ريفية. قرأت لها: «كان خلف الدواح- أيضاً - يشاهد التلفزيون في كهوة الميثاق - بمدينة الثورة - ويصغي إلى إجابات السيد مدير مؤسسة النقل، الذي راح يعدد أسباب الأزمة - أزمة النقل والمواصلات - فكان من أهمها (في نظره) «تواجد!» سيارات الفولكا والمسكوفيج في العراق، لأنها «تحمه» بالصيف و«توكف» ولا بد أن السير يتعرقل.. وتنقطع المواصلات.. وعندما «تحمه» لابد أنها «توكف» وعندما توكف يتعطل وصول الركاب وتتعرقل الأمور وإذا تعرقلت «الأمور»... يلتفت خلف الدواح إلى الجالسين بكهوة الميثاق ويقول: ــ ذيچ السنة ساجت العباس (سركال الجرية) حط عينه على ابنه الزغير (احميدي)، وصار عنده اعتقاد بان «احميدي» لكطه.. يفتهم ازود من إخوته الاكبار.. وكام يجيبه وياه للدواوين. معلومك جانت الأصول بالريف، ما تسمح للطفل بكعدة الديوان، لكن ياهو اللي خلكك ويتبالش وي ساجت العباس بحجي زايد وناكص؟! يوم من الأيام جابوا غدا لساجت، والغموس دهن ودبس… واحد من جماعتنا مقهور من الولد، راد يبهذله بالديوان، و جان ينشده: ــ يكَولون عنك يا «احميدي» تفهم حيل.. ارد اسعلك سوعال: منين يطلعون الدبس؟ جاوبه احميدي: ــ ام…م..!! حتى هاي ماتعرفها؟! يطلعون الدبس من «مزاليج» البصل!! وجان يكوم ساجت العباس على حيله ويكول: ــ هاي خطوة.. خطوتين لبو فاضل.. ان جان امعلمه.. يو كايل له على هالجواب.. ولكم هاي (الهام رباني)!!» التفتُ إلى أمي وهي ترتدي الشال الابيض وتضحك حتى امتلأت عيناها بالدموع، ثم علقت قائلة: «خلّي يسمع أبو النقل!».. المجد والخلود لشهداء صحافتنا الشيوعية!

أمي وعمود أبو كَاطع
- التفاصيل
- oscar
- الصفحة الاخیرة
- 284