اخر الاخبار

لقد وجدت صعوبة كبيرة للكتابة عن رفيقي وصديقي المبدع كاظم عبود الرياضي والمبدئي والمناضل الذي اختار الطريق الوعر لنضاله، حيث وجد نفسه وعائلته (أشقاؤه الثلاثة وولده الحدث) في طريق مقاومة الدكتاتورية ومقاومة الفاشية الصدامية، طريقاً وحيداً لخدمة الوطن والتضحية في سبيله ومن اجله.

عرفت الراحل «أبو وصال» في منتصف ستينيات القرن الماضي وكنا عاشقين لكرة القدم، حيث لعبنا سوية لفريق العاصفة الأهلي تحت اشراف المربي الفاضل غازي عباس ولعبنا سوية إلى جانب الشهداء بشار رشيد وعمار جابر ولعيبي فرحان الذين أعدمهم النظام السابق، إضافة إلى الصحفي الرياضي فيصل صالح والحارس الدولي ستار خلف وصباح حاتم، والعشرات من مبدعي الفرق الشعبية آنذاك.

كان كاظم مدرسة للوطنية وحب الناس والتضحية من أجلهم، مما عرضه لصعوبات كبيرة وبسبب هذه المواقف تعرض إلى الحرمان من ممارسة كرة القدم وتمت محاربته في رزقه وأبعد عن الفرق التي مثلها مثل فريق البريد والبرق ومنتخب بغداد الأهلي ومنتخب الشباب وأخيراً المنتخب الوطني، وتعرض وأشقاؤه الثلاثة: الكابتن البحري زهير وعادل الطالب في كلية الطب ومحمد اللاعب في فريق البريد والبرق، وولده الحدث جواد كاظم عبود (15) عاما، الذين تم إعدامهم لأنهم كانوا معارضين للنظام الصدامي، وبسبب مواقفه المبدئية ومعارضته للنظام الدكتاتوري اضطر لمغادرة الوطن بعد أن شعر بخطورة بقائه داخل العراق بسبب اعتقال المئات وإعدام العشرات من أصدقائه ورفاقه من معارضي النظام الصدامي والتحق بصفوف المعارضة.

لعب كرة القدم مبكراً ومثل المنتخبات العراقية

ولد الراحل كاظم عبود في محافظة ميسان وانتقلت عائلته في مطلع الخمسينيات إلى بغداد بسبب ظلم الاقطاع، حيث نشأ وترعرع في منطقة الشاكرية في بغداد، وكان لثورة 14 تموز 1958 تأثير كبير في وعيه الوطني، وكان لأخيه الأكبر چلوب أثر في تنمية هذا الوعي المبكر.

كانت لأحداث انقلاب 8 شباط الأسود عام 1963 آثار كبيرة في مسيرته واختياراته اللاحقة، حيث انتقل إلى مدينة الثورة ومارس كرة القدم مع أقرانه وأبناء جيله في الفرق الشعبية لفريق العاصفة الأهلي ونهضة الشباب واتحاد فيوري، ثم انتقل إلى فرق المؤسسات الرسمية ومثل فريق البريد ومنتخب بغداد الأهلي ومنتخب الشباب العراقي بمعية نخبة من نجوم الكرة أمثال: رحيم كريم وسمير ناشئ ورسن بنيان وفلاح حسن وفليح حسن وفالح عبد حاجم. ثم لعب للمنتخب الوطني في جولته إلى أوربا الشرقية عام 1927 وكان معه نخبة من ألمع نجوم الكرة أمثال: ستار خلف وصبيح عبد علي وعبد كاظم ودكلص عزيز وحازم جسام وغيرهم. لكن هذه الرحلة كانت الأخيرة لكاظم كلاعب وهي آخر رحلاته مع الفرق العراقية بسبب دوره التثقيفي بالتعريف بالتجربة الاشتراكية وأثرها الإيجابي في حياة المجتمعات الاوربية، مما أغاض قيادة الوفد الرياضية (السلطويين) ومنع من المشاركة مع المنتخبات العراقية وفعلاً كانت حرباً شعواء.

شارك في مهرجان الشبيبة العالمي

وكان لكاظم عبود علاقات طيبة مع الشعراء الشعبيين أمثال فالح حسون الدراجي وكريم العراقي وعريان السيد خلف وكاظم إسماعيل الكاطع، إضافة إلى صداقاته مع نجوم الفن أمثال: جعفر حسن وكوكب حمزة وفؤاد سالم وغيرهم. وفي مهرجان الشبيبة العالمي العاشر الذي أقيم في جمهورية المانيا الديمقراطية (سابقاً) قدم الوفد العراقي الذي ضم فنانين وأدباء ورياضيين، فعاليات كثيرة أعجب بها الألمان وبقية الوفود المشاركة، وقد أدى ممثلا الشبيبة الرياضية كاظم عبود ولاعب المنتخب الوطني بكرة السلة داود سلمان أدواراً متميزة عكسا من خلالها صورة رائعة عن الشبيبة الرياضية العراقية.

كان موقف النظام من الرياضيين قاسياً حيث شنت حملات اعتقال على الرياضيين بحجة وتهمة التنظيمات الممنوعة، حيث أعدم الشهيد بشار رشيد وحكم بالسجن المؤبد على لاعبي نادي الزوراء كاظم خلف وجبار خزعل وموسى محسن وعادل كاطع، والمؤبد كذلك للاعبي نادي الشرطة حسين شواي وجبار قاسم وبأحكام مختلفة على بعض لاعبي الشرطة.

قاوم الدكتاتورية وقاتل في صفوف قوات الأنصار

لكاظم عبود مواقف وصور جميلة عكست شخصيته، فقد كان جريئاً وصريحاً وصادقاً في مواقفه، فما أن شعر بخطورة بقائه في العراق لأن النظام كشر عن انيابه وبدأت الهجمة الشرسة على القوى اليسارية والديمقراطية فما كان منه الا الاختفاء ثم الرحيل إلى بلدان الجوار ومن ثم الالتحاق بصفوف قوات الأنصار (الشيوعية) التي وجد فيها الملاذ المناسب له.

يقول الرفيق الانصاري كريم شامخ إنه زامل كاظم لفترات طويلة وكان مبدئياً وشجاعاً ومناضلاً صلباً لم يتردد في أي واجب يكلف به، وقد تعرض لآثار الضربة الكيماوية التي قام بها النظام الصدامي ضد القرى الكردية، مما تطلب منه السفر إلى إيران للمعالجة، وقد عرض عليه أحد أصدقائه من المسفرين المساعدة المالية، ويقول كريم كنا بأمس الحاجة إلى المال الا ان كاظم رفضها بشكل قاطع وأدعى ان لا يحتاج اليها.

وأخيراً عاد رفيقنا إلى وطنه بعد غربة تجاوزت الـ 30 عاماً، لكنه عاد عليلاً، وقد فقد والده ووالدته وزوجته وأشقاءه الأربعة وولده الحدث جواد، وودعناه يوم 12 تموز 2020، بعد حياة حافلة بالنضال والعمل الوطني من أجل عراق شامخ ورياضة عراقية متطورة.    

عرض مقالات: