اخر الاخبار

لماذا حدث الإنقلاب الدموي الفاشي يوم الثامن من شباط عام1963؟ ولماذا كان الإصرار على إبادة الشيوعيين والقوى التقدمية، وتحويل البلاد إلى معتقل كبير تحت إمرة قطعان (الحرس االقومي)؟

كما هو معروف أن ثورة الرابع من تموز عام1958 قد أخرجت (الحصان الجامح من اسطبله) بعد ما كان يعتقد أن (دار السيد مأمونة)، تحت الوصاية البريطانية.

 ومنذ قيام الثورة، أقيم حلف غير مقدس من المخابرات الأمريكية والبريطانية بالتعاون مع قوى إقليمية معروفة، في تجنيد عملائها والقوى المتضررة من الثورة من أجل عودة العراق إلى مربعه الأول.

 وأستغلت قوى الثورة المضادة أخطاء حكومة تموز وسياسة رئيسها الشهيد عبد الكريم قاسم المتقلبة، وعدم اتخاذه الإجراءات الصارمة ضد المـتآمرين، في تنفيذ انقلابها، مما سمح لهم بإدخال العراق في نفق مظلم لم يخرج منه لحد الآن.

 وكان من المفترض من عصابات البعث الفاشي إجهاض ثورة تموز وذبح قادتها ومؤيدها في الثاني والعشرين من شباط 1963، غير أن اعتقال السلطات صالح مهدي عماش الملحق العسكري في السفارة العراقية في واشنطن آنذاك وعلي صالح السعدي أحد قيادي حزب البعث، أجبرت أحمد حسن البكر (الذي أصبح رئيس وزراء الانقلابيين) على تقديم موعد التنفيذ في يوم 8 شباط.

وبدا إنقلاب شباط الدموي في الظاهر أنه موضوع عراقي داخلي بين الثورة وأعدائها، ولكن الحقائق كشفت دور المخابرات الأمريكية (سي آي أي) في الإطاحة وكانت أداته المنفذة عملاء حزب البعث بعد أن زودتهم بالأسلحة عبر تركيا بالإضافة إلى عناوين وأسماء اليساريين والشيوعيين من أجل تصفيتهم.

و أعترف قادة إنقلاب شباط  على لسان علي صالح السعدي بأنهم  جاءوا بقطار أمريكي.

 وكان الحاكم العسكري رشيد مصلح قد أصدر قانون رقم 13 الذي يتضمن إبادة الشيوعيين، مستفيدا من دعم جهات دينية متضررة أفتت ضد الشيوعيين لأنهم وقفوا مع قانون الإصلاح الزراعي وقانون الأحوال المدنية الذي ينصف المرأة.

 وحطم الأنقلابيون بكل الوسائل ما بنته وإنجزته ثورة تموز،  وما سنته من قوانين ومنها الحد من إمتيازات شركات النفط الإحتكارية، بالإضافة الى الهجوم على الحريات العامة، وممارسة إرهاب الدولة على نطاق واسع. وعلى الرغم من تأييد بعض فصائل القوى الكردية للانقلاب، ألا أن ذلك لم يمنع قادته من معاودة الحملات العسكرية القمعية ضد الشعب الكردي.

وبسبب هذا التدخل الأمريكي المعلن وغير المعلن، أصبح العراق تحت عباءة العم سام التي مهدت أيضا إلى عودة البعث ثانية في 17 تموز 1968 وقطع الطريق على قوى اليسار لإسقاط حكومة عبد الرحمن عارف، واستكملت مهمتها في إحتلال مباشر، بعد التخلص من ورقة صدام حسين (تم تجنيده عندما كان في مصر كما اشارت مصادر عدة)، ومكنت القوى المرتبطة بها والمنفذة لسياساتها في إستلام مقاليد الحكم.

وأشاع الإحتلال الأمريكي المباشر منذ سيطرته (الفوضى الخلاقة) كما وصفتها الوزيرة الامريكية السابقة، كونداليزا رايز، في البلاد، وذلك من خلال حل الأجهزة الأمنية والجيش، والتغاضي عن انتشار الأسلحة والجريمة المنظمة والفساد، لتهديم ما تبقى من قيم جيدة عند المجتمع العراقي وزيادة التجهيل وصولا لوضعه على سكة (دول الموز) الأخرى.

والحقائق توضحت كما كشفتها كتب ومصادر عديدة، ومنها كتاب التدخل السري للولايات المتحدة في العراق خلال الفترة 1958- 1963 للمؤلف ويليام ريمان وترجمة عبد الجليل البدري، وما كتبه حنا بطاطا ونعوم تشومسكي وغيرهم.

 إن درس 8 شباط 1963 مازال قائما، وينبه إلى أن قوى الفساد والقوى المعادية للديمقراطية، لن تخلق حكما وطنيا، ولا تريد بلدا ناهضا، مادام بقاؤها يعتمد على إرتباطها مع القوى الدولية والإقليمية التي تصول وتجول دون رادع.

ولا يمكن إنهاء التدخلات المتعددة في القرار العراقي وإنتهاك سيادته بدون إنهاء سيطرة هذه القوى التي أدخلت الوطن في نفق مظلم، التي  كرست الخراب الروحي والمادي للمواطن المتمثل في إنتشار الفساد وطاهرة الرشى والبطالة  وزيادة نسبة الفقر والسرقات والقتل والحرب الطائفية وهدرالأموال والإبقاء على الإقتصاد الريعي بعد تدمير الصناعة والزراعة، وكثرة أعداد الأطفال المشردين والمتسربين من المدارس، إضافة لملايين الأرامل والمطلقات بدون معيل.

 

عرض مقالات: