اخر الاخبار

نظمت صفحة “حوار التنوير” اخيرا ندوة بالفيديو تحت عنوان “افكار اولية لبناء الدولة المدنية.. العراق نموذجا”، ضيّفت فيها الاكاديمي والباحث د. عامر حسن فياض، الذي تناول اهم سبل ومعوقات اقامة الدولة المدنية في العراق.

وقال د. فياض في بداية حديثه ان بناء دولة “يقودنا الى الحديث عن مسارات وقرارات عدة يجب اتخاذها”، موضحا ان “بناء دولة مدنية ليس رغبة او نزوة، بل هو عملية تحتاج من الصبر الكثير”.

وتطرق الى قول الفيلسوف هيغل “ان الدولة معطى من معطيات الحداثة”  في اشارة الى ان مفهوم الدولة حديث المنشأ وقد سبقته مسميات اخرى كالإمارة والولاية والإمبراطورية والمملكة وغيرها.

 

الثقة .. الثقة

واضاف  ان “تعزيز الثقة بين الحاكم والمحكوم هو المفتاح الاساس للتفكير والعمل لبناء الدولة المدنية”.

واستحضر في هذا الشأن ما ورد في احدى الاطاريح الصينية القديمة حول بناء الدولة، ومفاده ان تلامذة حكيم صيني سألوه عن الحكم الصالح والعناصر الواجب توفرها فيه، فقال انها  ثلاثة عناصر: القوت (الغذاء) والجند(القوة) وأخيرا الثقة بين الحاكم والمحكوم .

سأله احد طلابه: هل نستطيع التخلى عن احد هذه العناصر ويبقى الحكم صالحا؟ أجاب: نعم، يمكن ان نتخلى عن الجند (القوة) ويبقى الحكم صالحا.

عندها سأله طالب آخر: وهل يمكن ان نتخلى عن احد العنصرين الباقيين ويبقى الحكم صالحا؟

فقال: نعم، نستطيع التخلى عن القوت (الغذاء) ويبقى الحكم صالحا فالثقة بين الحاكم والمحكوم مثلها مثل الحصان الذي يجر العربة، فهو يجلب القوت والقوة.

 

سيادة القانون

وبخصوص سيادة القانون وأهميتها في بناء الدولة قال فياض ان “العراق اليوم بحاجة ماسة الى سيادة القانون كي يبني دولته”. واستحضر في هذا الخصوص حكاية احد حكماء اليونان الذي قال لتلامذته ان “المدينة بحاجة الى بناء سور ثان” لحمايتها، وحين لاحظ امتعاضهم وهم  يتذكرون آبائهم الذين قضى كثيرون منهم او تعوقوا وهم ينقلون الصخور الكبيرة لبناء السور الاول، بيّن لهم انه لا يقصد بناء سور آخر من الحجر، فالسور الثاني الذي يعنيه لحماية المدينة هو سور القانون اي سيادة القانون.

وتطرق فياض الى  مبدأ التمدن وقال انه “لتحقيق ذلك لا بد لنا ان نلمس وجود دور للعبادة واخرى للعدالة وثالثة للمعرفة، يتمتع قاطنوها وشاغلوها والعاملون فيها ومراجعوها جميعا بالاحترام”.

ولفت د. عامر فياض الى الجدليات في بناء الدولة قائلا “ان عملية بناء الوحدة السياسية  تتحكم فيها  قوانين الداخل والخارج، وجدلية التجزئة والتوحيد، واخيرا قانون تنازع الهويات”.

واوضح ان “ان قانون الداخل والخارج يؤخذ حتى الان في بناء وتشكيل الدولة العراقية، وأمامنا التدخل الخارجي في الارادة العراقية الداخلية”. وتابع انه فيما  يتعلق بقانون التجزئة والتوحيد فانه عبر عن نفسه بعد عام 2003 في الدعوات الى تقسيم العراق الى اكثر من دولة، وايضا في الفدرالية التي تميل في بعض الاحيان الى دائرة التفكك”.

وبخصوص قانون تنازع الهويات بيّن ان “العراق يضم كيانات وديانات وقوميات وهويات متعددة، ولا يمكن تشكيل الدولة اذا لم تكن لها هوية سياسية موحدة”. 

 

مستلزمات بناء الدولة

ومن الضروري في رأي  د. فياض توفر اربعة مستلزمات لبناء الدولة المدنية، وهي مستلزمات سياسية، واجتماعية، واقتصادية، وفكرية.

وقال ان “السياسية من اهم تلك المستلزمات، نظرا لكونها المعوّل عليها في توفير النهج الموضوعي(من خلال هيئة او جماعة) في بناء الدولية المدنية”.

 واضاف ان من الضروري “ان يتضمن المستلزم السياسي عقدا اجتماعيا يحتضن عدة مبادئ، منها الإقرار بالتعددية السياسية، ومبدأ التمثيل عبر  الانتخابات، واحترام حقوق الانسان وحرياته، وكل هذا على اساس استقلال القضاء والتداول السلمي للسلطة”.

ورأى د. فياض ان المستلزم الاقتصادي في بناء الدولة “هو الاصعب لكونه  بحاجة الى اقتصاد مستقر ومتوازن يعمل على توفير المتطلبات الاساسية التي تحفظ كرامة المواطن، ويقوم على اساس الانتاج والاستهلاك”.

وبخصوص المستلزم الفكري ذكر الفياض”ان هناك دولا قائمة رغم ان مستلزماتها الفكرية غير مكتملة” وتابع في شأن المستلزم الاجتماعي قائلا انه “يتطلب من الدولة الاهتمام بالطبقة الوسطى، التي تتصف بكونها ميسورة الحال ومتعلمة”. 

 

عناصر بناء الدولة المدنية

وقال د. عامر حسن فياض ان هناك ثلاثة عناصر اساسية لبناء الدولة، وهي تتمثل في “الفرد والجماعة والسلطة”.

وقال انه “لبناء الدولة المدنية نحتاج الى افراد موصوفين”، بمعنى ان يكونوا ذوي صفات محددة.

اما الجماعات “فينبغي ان لا تكون تقليدية (من مثل العشائر، والجماعات الدينية، والقوميات)، وانما جماعات غير تقليدية كمؤسسات المجتمع المدني والاحزاب السياسية النزيهة”.

وحول عنصر السلطة المطلوبة لبناء الدولة المدنية قال فياض انها “يجب ان تكون مقبولة عبر الانتخابات، ولا بد لها ان تنجز ذلك لكي تستمر وتثبت شرعيتها”.

 

معوقات البناء

وتطرق د. فياض الى المعوقات التي تحول دون بناء دولة مدنية في العراق، واشار الى:

*العوز في التشريعات التأسيسية لبناء الدولة المدنية الحديثة 

*عجز الخدمات الصحية والتعليمية وخدمات البنى التحتية بصورة عامة 

*العوق المؤسساتي 

*العشق للماضي 

* العمى ازاء الاولويات

*العبث بالمال العام (الفساد)

*العقم في الانتاج والخصب في الاستهلاك.

*العرج المعرفي 

 

آلية تجاوز المعوقات

وشدد د. عامر حسن فياض وهو يختتم حديثه في اطار “حوار التنوير” على ان “العراق اليوم بحاجة ماسة الى رجال دولة وليس الى رجال سياسة، رجال دولة يمتلكون ثقافة الاستقالة لا ثقافة الاستطالة، محصنين بثقافة المعارضة، ويعرفون جيدا كيفية التعامل مع الاولويات والعمل على تحقيقها”.

ونبّه في الختام الى ان “اخطر ما في الديمقراطية ان تجري ممارستها من قبل غير الديمقراطيين، فلا يمكن للديمقراطية ان تتحقق من دون استقلال ولا يمكن للاستقلال ان يتحقق من دون ديمقراطية”.