اخر الاخبار

انطلقت انتفاضة الأول من تشرين الأول/ 2019 في ظل ظروف الآليات السياسية التي اتبعتها القوى المتعاقبة على الحكم منذ تغيير النظام الدكتاتوري في عام 2003 والملوثة بالفساد والإقصاء والتهميش والتهجير الطائفي والخطف والقتل.. الخ إضافة إلى إقصاء شريحة الشباب وتغييب دورهم بالكامل عن المشاركة في بناء الدولة، إضافة إلى الظروف الاقتصادية الخانقة التي واجهتهم لدرجة أنهم لم يتمكنوا من سد رمق معيشتهم وتحقيق أحلامهم في مستقبل أفضل.

كل هذه العوامل وغيرها فجرت الشارع العراقي لينتفض شباب العراق على الواقع المأساوي والكارثي الذي يعيشه أبناء بلدنا، علما بأن اندلاع هذه الانتفاضة الشعبية الباسلة كان بصورة عفوية عموما، وهذا مؤشر صحي على ظهور الوعي الوطني وعودته إلى الشباب بعدما حاولت القوى السياسية الحاكمة وأحزابها المتسلطة على رقاب المواطنين من احتكار وعي المواطن العراقي، ورفضهم لتفكيرها وسياساتها الرثة وتقاليدها البالية والمتخلفة، وبالتالي انكشفت كل مكامن الفشل في الأداء السياسي لهذه القوى ولمن تعاقبوا على الحكم وعلى مدى (20) عاماً .

إن من أبرز ملامح هذه الانتفاضة الشعبية هو انطلاقتها بمشاركة شبابية ونسائية ملحوظة للغاية وسابقة لم تشهدها جميع الانتفاضات الشعبية التي انطلقت سابقاً في العراق، اضافة إلى أنها كانت بمثابة ثورة مجتمعية فجرها وقادها الشباب وبمشاركة واسعة من النساء والتي أرعبت كافة الكتل والأحزاب السياسية الماسكة بالسلطة، بما أفرزته من معطيات وطنية وثورية حركت من خلالها كل طبقات وفئات المجتمع العراقي لتتعاطف معها وتساندها وتلتف حولها.. فهناك من حمل الأطعمة لهؤلاء الشباب المنتفض وهناك من جاهد في سبيل إسعافهم من القنابل الدخانية والرصاص الحي والمطاطي وتضميد جراحاتهم وهناك من عمل على تنظيم خيمهم وتواجدهم.. الخ، لذا نشاهد إن هؤلاء الشباب اندفعوا إلى الشوارع والمدن العراقية تجمعهم صور التلاحم البطولي والتكاتف الرائع وصمودهم وإصرارهم على ضرورة أحداث التغيير الشامل وهم يصرخون بأعلى أصواتهم (نريد وطن.. نريد وطن) بوجه السلطة الحاكمة وأحزابها وميليشياتها لدرجة أرعبت هذه الأحزاب والكتل السياسية وبالتالي حاولت هذه القوى وبشتى الطرق المتاحة قمع هذه الانتفاضة الباسلة، لكنها بقيت مستمرة بالرغم من كافة عمليات القتل والخطف والتعذيب والترهيب والاعتقال.

إن هذه الانتفاضة شكلت فرصة كبيرة لأعداد كبيرة من النساء ومن مختلف المستويات الثقافية والاجتماعية لإيصال أصواتهن إلى العالم بعد أن سعت القوى الحاكمة لتغييبها من المشهد الاجتماعي. وقد حصلن أيضا على موطئ قدم في ساحات الاحتجاجات من خلال وضع خيمة للنساء في ساحة التحرير تحت مسمى من أجل الحريات والحقوق والمساواة وللمبادرة بالتعريف بحقوق المرأة العراقية والدعوة لمساندتها.

إن الانتفاضة التشرينية انطلقت من أجل الكرامة والعدالة والحرية وهذه المطالب الثلاثة لا يمكن تحقيقها بغياب دور المرأة العراقية عن المشهد العام، كذلك أن حضور ومشاركة المرأة الفاعلة والمؤثرة في انتفاضة تشرين الأول تعتبر أحد أهم العلامات البارزة فيها والتي تمثلت في مشاركة النساء بجانبين رئيسيين وهما الأول في الحضور المتواصل والثاني في المساهمة في تقديم الخدمات مثل الطبخ والتنظيف إضافة إلى الإسعافات الأولية.. الخ وقد دخلت المرأة هذا الميدان ليس بوحدها وإنما بمشاركة أخوية وودية من جميع رفاقها المتظاهرين من الذكور. وقد سجل هذا الحضور والمشاركة نزعا لجدار العزل والتمييز، وساهم في خلق اجواء اجتماعية وإنسانية بناءة.

إن نزول المرأة العراقية إلى الشارع تحت عنوان (نازلة اخذ حقي) برهن على قدرتها على المشاركة في كافة شؤون الحياة العامة واستعدادها لتحمل كل المواجهات القمعية التي مورست ضد تطلعاتها  الثورية لتساهم وبقوة في ثورة الشباب وحركة التغيير المنشود رغم كل الظروف والأوضاع الملغومة في الشوارع العراقية، لذا فإن الدور الذي لعبته المرأة العراقية في ظل هذه الظروف القاسية هو دور عظيم بكل المقاييس، وأدت مشاركة المرأة العراقية منذ بداية هذه الانتفاضة الباسلة وبشكل فاعل ومؤثر إلى استشهاد الكثير منهن برصاص الغدر من قبل عناصر مسلحة متغولة بسبب نشاطهن ودورهن الكبير والمؤثر في التظاهرات الشعبية، اضافة إلى الاعتداء على قسم كبير منهن بالضرب والطعن بالسكاكين والاختطاف وخاصة ممن كن يعملن كمسعفات في ساحة التظاهر.

ألف تحية لانتفاضة تشرين الباسلة.. انتفاضة الشعب العراقي بمناسبة الذكرى الرابعة لانطلاقها. وكلنا امل في تحقيق أهداف هذه الانتفاضة الشعبية الباسلة لأحداث التغيير المنشود وبناء الدولة المدنية الديمقراطية.. دولة القانون والمؤسسات والعدالة الاجتماعية.

عرض مقالات: