في السادس من اَب في كل عام، يستذكر الشعب الياباني، ومعه كل محبي السلام في العالم، أفظع جريمة حرب دولية اقترفتها الإدارة الأمريكية بحقه، بإلقائها أول قنبلة ذرية على مدينة هيروشيما، يوم 6 / 8/ 1945، تلتها بعد 3 أيام بقنبلة ثانية على مدينة ناغازاكي، في ساعة كان مئات الآلاف من السكان متواجدين في المؤسسات والمصانع والمدارس والجامعات والمستشفيات والمتاجر، وغيرها، مسببة أبشع مجازر الإبادة البشرية، التي لم يشهد لها التأريخ المعاصر مثيلا.

خلال يومين مشؤومين، أحدثت القنبلتان كوارث إنسانية بشعة جداً، حيث تدمرت المدينتان عن بكرة أبيهما، وتحولتا إلى أكوام من اللهب والرماد، ومات أكثر من 226 ألف يابانياً، وشكل المصابون ثلاثة أضعاف عدد القتلى، ومات منهم فيما بعد أكثر من 25 في المائة، متأثرين بالجروح والحروق والتسمم الإشعاعي وانتشار الأمراض والوفيات السرطانية، خاصة سرطان الدم، والأورام الخبيثة. وكان معظم الضحايا من المدنيين الأبرياء. وعاش المجتمع الياباني تداعيات وخيمة، صحية ونفسية وبيئية واجتماعية، لا مثيل لها.

كل ما حصل لن تنساه الذاكرة الحية أبداً. وتواصل القوى الخيرة في العالم مساعيها الحثيثة لمنع تكراره، والتصدي لصقور الحروب وتجارها وكمرتلات الصناعة الحربية، وكافة أعداء السلام، ومنعهم من نشوب حرب عالمية ثالثة واستخدام الأسلحة النووية من جديد.

بيد ان هذا المطمح النبيل والمشروع ما يزال بعيد التحقيق في ظل رفض الدول النووية لـ“معاهدة حظر الأسلحة النووية”، التي تبنتها الأمم المتحدة في تموز 2017 ودخلت حيز التنفيذ في كانون الثاني 2021، ضاربة عرض الحائط برغبة شعوب العالم. وما يزال هناك من يعتقد بـ“ضرورة” وجود المزيد من الأسلحة، والمزيد من العقوبات، وأنه“يمكن كسب” حرب نووية!!

وتزايد الخطر منذ نشوب الحرب الروسية الأوكرانية. وهو يتعاظم يوماً بعد اَخر مع تصاعد حدة التوتر الدولي ارتباطا باستمرار سعير الحرب واستغلالها من قبل حلف الناتو، كفرصة لا تعوض، لتوسيع امتداده الى الحدود الروسية، بذريعة دعمه لأوكرانيا، وهي ليست عضواً فيه، وإفشال المفاوضات والحلول السلمية، وإطالة أمد الحرب، المتواصلة منذ 18 شهراً، رغم الخسائر البشرية الجسيمة والدمار الهائل الناجم عن تحويل أوكرانيا الى ساحة“استعراض للقوة العسكرية” و” حقل تجارب” لأحدث الأسلحة الصاروخية والمدفعية والمدرعة، البرية والجوية والبحرية، بما فيها أسلحة محرمة دولياً، كالقنابل العنقودية وذخائر اليورانيوم المشعة، التي تستخدم دون مراعاة لمخاطرها على الشعب الأوكراني.

وقد أكدت الأحداث ان أولئك الذين أثاروا الحرب، وأطالوا أمدها، واستمروا في تصعيدها، لا يهتمون بحياة شعب أوكرانيا ولا أي دولة أخرى، لاسيما وهم بعيدون بآلاف الكيلومترات عن ميادين القتال المباشرة. وشهد العالم بأجمعه كيف أدى دعمهم العسكري لأوكرانيا في جلب المزيد من الويلات على شعبها، بينما هم جنوا المليارات من تصريف أسلحتهم، بلغ أضعاف ما صرفوه كدعم.

والمهم بالنسبة لهم: استمرار الحرب، واستغلالها لتنفيذ إستراتيجية حلف الناتو الهادفة لتمدده نحو الحدود الروسية، وتطويقها بأنظمة الدفاع الصاروخي. ولذلك هم لم يقدموا مقترحا لحل النزاع سلمياً، بل بالعكس يواصلون صب الزيت على مواقد الحرب، لإطالة أمدها أكثر فأكثر، ويواصلون الاستفزازات العدائية، كتزويد الجيش الأوكراني بالأسلحة المحرمة دولياً، وبالصواريخ بعيدة المدى، وتزويد جيران روسيا من حلفائه بأحدث الأسلحة الفتاكة، وغيرها من الأفعال التي تؤدي الى الصدام المباشر مع روسيا، متصورين ان الأخيرة“عاجزة” عن الرد.

وقد جاءهم الرد بوضع قوات الردع النووي في حالة تأهب. وفي 6/4/2023 أعلن الكرملين:” ان روسيا سترد بالشكل المناسب على أي نشر إضافي للأسلحة النووية الأمريكية في أوروبا“. وفعلا ردت، معلنة قبل نحو شهر عن نيتها نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا، حاذية حذو الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن واشنطن تمتلك أسلحة نووية منتشرة في بلجيكا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وتركيا. وأعلن الرئيس بوتين:“نحن نفعل ما كانوا يفعلون منذ عقود، ونقوم بوضعها في دول حليفة معينة، وإعداد منصات الإطلاق وتدريب أطقمهم.

وفي 12/5/2023 جددت روسيا التحذير من حرب عالمية ثالثة، وقال نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف:“إن خصوم روسيا يجرون العالم إلى حرب عالمية ثالثة”، مؤكداً أنه“لا أحد يمكن أن يخرج من الحرب العالمية الثالثة رابحاً”.

  وقبل أسبوع أعلن الرئيس الروسي بوتين:“نحن لا نريد حدوث مواجهة بين روسيا وحلف الناتو، ولكن إذا أراد أحد ذلك، فنحن مستعدون”.

وكل هذا يؤكد تزايد خطر اندلاع حرب عالمية ثالثة واستخدام أحدث وأخطر الأسلحة الفتاكة، بما فيها الأسلحة النووية، التي تهدد مصير البشرية بالفناء التام، لا سيما وان“معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام” ((SIPRI قد أكد في تقريره السنوي الأخير إن الدول المسلحة نووياً تعزز من ترساناتها النووية في ظل الحرب في أوكرانيا والتدهور العام للوضع الأمني في العالم. وان المخزون العالمي من الرؤوس الحربية النووية لم ينخفض غير 200 رأساً، وبقيت 12 ألف و512 رأساً بين بداية عام 2022 وبداية عام 2023. أما عدد الأسلحة النووية التشغيلية فقد ارتفع بمقدار 86 وحدة ليصل إلى ما يقدر بـ 9576.

  وكتب باحثو SIPRI: ” يبدو أن عمليات تخفيض عدد الرؤوس الحربية العاملة قد توقفت على مستوى العالم، وتزداد أعدادها مرة أخرى”. وتابع تقريرهم:“في الوقت ذاته، لدى كل من الولايات المتحدة وروسيا برامج جارية مكثفة ومكلفة لاستبدال وتحديث الرؤوس الحربية النووية، وأنظمة إطلاق الصواريخ والطائرات والغواصات، ومنشآت لإنتاج الأسلحة النووية”.

وأعرب الخبراء عن قلقهم وذلك في ضوء التوترات الجيوسياسية، فقال مات كوردا:” معظم الدول المسلحة نووياً تشدد لهجتها حول أهمية الأسلحة النووية، حتى أن بعضها يصدر تهديدات صريحة أو ضمنية بشأن احتمال استخدامها، وهذه المنافسة النووية المرتفعة زادت بشكل كبير من خطر استخدام الأسلحة النووية في حالة الغضب وذلك للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية”.

وعانت الدبلوماسية النووية من انتكاسات كبيرة منذ نشوب الحرب على لأوكرانيا في شباط 2022، واَخرها في شباط 2023 حين علق الرئيس بوتين“معاهدة ستارت الجديدة لنزع السلاح” مع الولايات المتحدة، وهي المعاهدة الرئيسة الوحيدة المتبقية للحد من الأسلحة النووية.

بالإضافة إلى ذلك، تعرقلت المفاوضات بشأن إحياء الاتفاق النووي مع إيران جدياً. وقدر SIPRI أن إحياء الاتفاقية يبدو مستبعداً بشكل متزايد في الوقت الحاضر.

وتظل روسيا والولايات المتحدة الدولتان اللتان تمتلكان أكبر ترسانات نووية، وهما تمتلكان قرابة 90 بالمائة من جميع الرؤوس الحربية. وصعدت الصين إلى المركز الثالث منذ فترة طويلة. وقال هانز إم كريستنسن“بدأت الصين توسعاً كبيراً في ترسانتها النووية، من الصعب بشكل متزايد مواءمة هذا التوجه مع الهدف المعلن للصين المتمثل في امتلاك الحد الأدنى من القوة النووية اللازمة للحفاظ على أمنها القومي”

وكانت مؤسسة Global Challenges Foundation السويدية المتخصصة بتقييم للمخاطر الكارثية، قد حذّرت في تقريرها السنوي في كانون الأول 2022، من أن خطر استخدام أسلحة نووية هو الأكبر منذ العام 1945 حين دمّرت الولايات المتحدة مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين..

وصرحت المفوضة السامية للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح إيزومي ناكاميتسو، بأن خطر استخدام السلاح النووي وصل إلى أعلى مستوياته منذ انتهاء الحرب الباردة. وأشارت المسؤولة خلال اجتماع لجنة الأمم المتحدة لنزع السلاح، في 3/4/2023، إلى أن“تصاعد الخطاب النووي الخطير يذكّر بأن المخاطر النووية حقيقية جدا”. وأضافت أن“خطر استخدام السلاح النووي بشكل متعمد أو بنتيجة الخطأ أو سوء الفهم، أعلى مما كان في أي وقت منذ الحرب الباردة”. وأكدت أن هناك عوامل كثيرة تزيد من تلك المخاطر”

ولمحبي الحياة الآمنة والسلام الدائم دورهم، مجسداً بالدعوة لمظاهرات سلمية حاشدة، تنطلق اليوم،

في العديد من المدن في العالم وأمام مقر الأمم المتحدة في نيويورك، مطالبة بوقف خطر نشوب حرب عالمية ثالثة، والتهديد بالأسلحة النووية، ونبذها كسيف مسلط على رقاب البشرية.

عرض مقالات: