لم يكن وجود علني للجمعيات الفلاحية في فترة الحكم الملكي، بل كان الاقطاعي هو الحاكم والمتحكّم بحياة الناس ومصائرهم، واستغلالهم في العمل أبشع استغلال .
ورغم صعوبة الحياة والفقر المدقع في ذلك الوقت، فغالباً ما تكون حياة العوائل في الريف، متماسكة، بسيطة، رغم انجابهم أطفالا كثر ليكونوا عونًا لهم في المستقبل، تربطهم علاقات إنسانية مبنيّة وفق وشائج ومحددات قيّمة تساعد في ذلك تركيبة مجتمعهم، وطبيعة الحياة والخضرة والماء، مع وجود وعي لدى الكثير منهم يتكون نتيجة المعاناة والظلم الذي يعاني منه الفلاح. وبعد ثورة ١٤ تموز، وزّعت الحكومة قطع أراض زراعية على الفلاحين، وتشكّلت جمعيات فلاحية، تقوم بتسجيل الأراضي لمن لا يمتلك أرض، وتحل مشاكلهم، وتتابع عملهم وتوفير البذور والأسمدة الكيمياوية والادوية الزراعية.
في ذلك الوقت كانت تصل بعض الصحف لمركز الجمعيات الفلاحية لإطلاع الفلاحين على الوضع السياسي والاقتصادي وخاصةً الزراعي وما يهم الفلاح...
من ضمن تلك الصحف كانت جريدة اتحاد الشعب الناطقة بإسم الحزب الشيوعي العراقي، كان والدي يرأس إحدى الجمعيات الفلاحية في ناحية القاسم/ محافظة بابل، يقول كانت تصلنا بعض الصحف بشكل مستمر، وغالباً ما أتناول اتحاد الشعب لما تحويه من مواضيع هادفة، وشيقة... وتحليلات للوضع السياسي، وكان عمود ابو گاطع «شمران الياسري» ننتظره بشوق، أقرأه على مسامع الفلاحين، لأنني كنت أجيد القراءة والكتابة، وأبو گاطع خير من كتب عن الفلاح وصراعه مع الاقطاعي، ويضرب بذلك الأمثال بنقده اللاذع لحالات المجتمع السلبية، لكن كتب تقرير وتم تمريره الى المسؤولين بأني أثقّف الفلاحين بجريدة الشيوعيين فتم اعتقالي عام ١٩٥٩ وأودعت في إحدى الزنازين، ويضيف: ربّ ضارة نافعة، فقد التقيت بالمعتقل في بغداد بشخصيّتين معروفتين هما كاظم فرهود أبو قاعدة الذي أصبح فيما بعد رئيس الجمعيات الفلاحية في العراق، وكاظم الجاسم أبو قيود الذي أعدمه النظام الصدامي فيما بعد، قضينا شهرا تقريباً معاً كانت أياما رائعة وصحبة طيبة، عرفت حينها كيف يكون الانسان صاحب كلمة، وموقف، وكيف يتسلّح بالعلم والثقافة ويكسب احترام الآخرين وهذا ما كان يتحلّى بها الاثنان..
اليوم ونحن نستذكر عيد الصحافة الشيوعية، لابد لنا ان نذكر مدى تأثير صحافة الحزب الشيوعي العراقي في كل مراحلها في حياة الناس وخلق وعي بنَاء لديهم، لرصانة ما تطرح، وموضوعيتها في تحليل ما يدور في البلد، ونقلها للحقائق وما يعانيه الناس، ونقل أفراحهم واتراحهم، لتبقى صوتاً مسموعاً ومحل تقدير في مصداقيتها.