اخر الاخبار

تحل هذا العام الذكرى الستون لحركة المناضل (حسن سريع) في 3 تموز 1963، هذه الحركة التي أرعبت حكام البعث والقوى القومية الموالية لها وكانت بحق بطولة وشجاعة تفوق التصور لمجموعة من الجنود الأوفياء لشعبهم.

فبعد انقلاب البعث 8 شباط 1963 واعتقال الآلاف من اعضاء الحزب الشيوعي العراقي وقتلهم في أقبية التعذيب والسجون بادرت مجموعة من الشيوعيين وأصدقائهم إلى تشكيل منظمة تضم مدنيين وعسكريين من مختلف المستويات وكان هدفها رد الاعتبار إلى الحزب والعمل على الاستيلاء على السلطة، لهذا عملوا على الاتصال بالمنقطعين عن التنظيم الحزبي والإعداد إلى عمل مباغت وجريء. واتخذت هذه الحركة اسم حركة (حسن سريع) فيما بعد.

 في يوم 3 تموز 1963 سيطرت هذه المجموعة على مشاجب السلاح والحراسة في معسكر الرشيد واحتلت مطار الرشيد، ولكن بسبب مقاومة حرس السجن عجزوا عن احتلاله وتحرير الضباط الشيوعيين منه. وقد قمعت الحركة وأعتقل قائدها نائب العريف حسن سريع وأعدم بعد صموده البطولي، وفي بيان للحزب في تقييم هذه الحركة (عجز أعنف موجة ارهابية على قتل الروح الثورية للشعب العراقي.). لقد أثبت الجنود وضباط الصف قدرتهم على رسم الخطط الثورية، فقد جاء في التقرير الذي قدمه أحد قادتها للحزب الشيوعي (... كانت الخطة تعتمد على التحرك الشامل لجميع المعسكرات واحتلال محطة الاذاعة من أجل دعوة الجماهير لإسناد الانتفاضة واذاعة البيان الأول للثورة وأسماء الوزراء الذين يشكلون الحكومة الثورية. اختير معسكر الرشيد للبدء بالانتفاضة وكون نائب العريف حسن سريع أحد قادة الانتفاضة، كان يعمل قائد وحدة عسكرية في المعسكر نفسه ولوجود عدد كبير من القادة العسكريين والفنيين والطيارين الشيوعيين والثوريين في سجن رقم واحد (1) ويربو عددهم على (900) شخص فضلا عن وجود مطار الرشيد الذي يمكن استخدامه كقوة ضاربة واستخدام اجهزته الفنية للاتصال بالوحدات أثناء التنفيذ). وبعد فشل الانتفاضة قامت سلطة البعث يوم 7 تموز بترحيل هؤلاء الضباط الشيوعيين والقاسميين (520 سجينا سياسيا) إلى نقرة السلمان في قطار سمي يومها قطار الموت، حيث تم حشرهم وفي شهر تموز القائظ في قطار لنقل البضائع وبعربات حديدية مقفلة، ولولا اكتشاف سائق القطار لحمولته، والذي دفعه لزيادة سرعت القطار والوصول إلى مدينة السماوة بسلام وفتح أبواب العربات. فقد جاء الاهالي حاملين صفائح الماء البارد والملح وأخذوا برشه على المعتقلين، ولولا هذه المبادرة لهلك الكثير من هؤلاء السجناء، ومع هذا فقد أستشهد الرئيس الاول يحيى نادر ولهذا سميً بـ (قطار الموت).

كما تعرض الكثير من أعضاء القيادة وكوادر الحزب العسكرية والمدنية إلى السجن والاعتقال ومنهم من أستشهد تحت التعذيب وفي مقدمتهم اعضاء المكتب السياسي محمد صالح العبلي وجمال الحيدري والصحفي عبد الجبار وهبي وعشرات الكوادر.

 لقد أثبتت التجربة أن أي عمل بدون التنظيم والتعبئة الجماهيرية لا يمكن أن ينجح، فعندما أتصل قادة الحركة (حسن سريع) بقيادة الحزب أي باللجنة المركزية للحزب لإخبارها بموعد تنفيذ الثورة، عارض الحزب ذلك (يجب الالتحاق بالتنظيم الحزبي والتوقف عن التنفيذ ... ان عملكم هذا يشكل خرقا للمبادئ ومنافيا للضبط الحزبي). وحتى عضو المكتب السياسي للحزب جمال الحيدري طلب منهم التريث واعطاء فرصة للحزب لكي يعيد ترتيب اوضاعه.

وكان للحركة نواقص كثيرة كان بالإمكان تلافيها لو استفاد المنتفضون من خبرة الحزب وكوادره وضباطه، حيث كان هناك ضعف في الكفاءات العسكرية والتنظيمية، وتسرع في القيام بالعمل العسكري، هذا اضافة إلى قلة خبرة الجنود وضباط الصف، في هكذا عمل ثوري يحتاج له التحضير الجيد والتوقيت الدقيق.

 تتميز حركة تموز (حسن سريع) كونها عملا جريئا قام به مجموعة من الجنود وضباط الصف وهم من الفقراء والمعدمين الذين لا يملكون أي شيئ سوى الارادة والمعنويات العالية، وكانت حركتهم لرد الاعتبار للحزب الذي تأثر بشكل كبير في انقلاب 8 شباط بعد الاعتقالات والاعدامات لقيادة الحزب كوادره، حيث انشطرت التنظيمات الحزبية وانقطعت الخلايا واللجان عن بعضها البعض.

 كانت للحركة صلات واسعة مع العديد من الخلايا الحزبية بعضها مقطوع عن التنظيم في بغداد والفرات الاوسط بين العسكرين والمدنيين، والأمر الآخر أن حركة حسن سريع بقيادتها (اللجنة الثورية) التي كانت أقنعت نفسها بأنها قيادة الحزب نفسه لأنها لم تحصل الموافقة من قيادة الحزب على هذه الحركة بعد الاتصال غير المباشر مع اللجنة الثورية (حبيب – سريع) (ويذكر أن موعدا مباشرا كان قد تقرر بين محمد صالح العبلي وقيادة الحركة، لكنه أعتقل قبيل الموعد مع جمال الحيدري وعبد الجبار وهبي في دار والد الدكتور عطا الخطيب، وهكذا لم ينته شهر تموز الا وكان الطرفان (العبلي –الحيدري وتنظيم (حبيب – السريع) قد سحقا وأعدم أغلبيتهم. وقد قيم الكونفرنس الثالث للحزب المنعقد في 1967انتفاضة حسن سريع بانها: (جسدت ارادة وتصميم الشيوعيين العراقيين على أستلام السلطة في العراق).

وتعتبر هذه الانتفاضة أول عمل مسلح يقوم به الحزب بتنظيماته لاستلام السلطة. وبرغم ضعف الصلة والمخاوف من انكشافها فهي حركة مسلحة ذات مضامين شيوعية وديمقراطية وذلك من خلال تشكيل الحكومة التي اراد المنتفضون تشكيلها.

 وعند البحث في اسباب فشل الانتفاضة فانه يمكن القول إن الظروف الذاتية والموضوعية لم تكن مهيئة للقيام بعمل من هذا النوع أطلاقاً، فالتنظيم مشتت وأغلب القيادات العسكرية من الضباط كانوا في السجن وكذلك القيادات المدنية بين الاعتقال والسجن والقتل والاعدام، ولم يعد التنظيم يمثل قوة ما قبل شباط 1963، وكان لبعض المنتفضين ضعف الثقة بانتصار الحركة وحالة من التردد، في حين أن قائد الحركة والبعض الآخر كانت لهم الثقة الكبيرة في أمكانية التغير والسيطرة على بعض المؤسسات العسكرية والمرافق الاخرى، وقد عبر قائد الحركة ومجموعته عن موقفهم في المحكمة .

 والظروف الأخرى كانت صعبة ايضا، فحزب البعث المنبوذ (بحرسه القومي) سيطر بالقوة على كثير من مرافق الدولة من المخابرات وأجهزة الأمن والاستخبارات والجيش والطيران والقصر والاذاعة وغيرها. أضافة إلى دور المخابرات الامريكية والبريطانية والعربية في المنطقة والتخوف من مجيئه الحزب الشيوعي للسلطة في العراق.

وكما هو معروف أن الانتفاضة هي شكل من أشكال النضال الأرقى، وللانتفاضة قوانينها ومنها:

1 - عدم التهاون بالانتفاضة وضرورة السير بها إلى النهاية.

2 - عندما تبدأ يبدأ معها الحزم والجرأة والهجوم، والاندفاع يعني موت الانتفاضة المسلحة.

3 -  المفاجئة عنصر أساسي في الانتفاضة.

4 - الوقت المناسب والزمن المناسب والنجاحات المهمة والنوعية

وقد ذكر الاستراتيجي دانتون حول الانتفاضة المسلحة (الجرأة، الجرأة أيضا، الجرأة أبداً)، وهي عملية ثورية مستمرة.

يقول لينين في الانتفاضة (إن الانتفاضة فن وأن القاعدة الاقدام والشجاعة صفاتها) ويضيف في تحليله لتطبيق المنهج الماركسي، وفي تحليل الظرف الملموس، والواقع الثوري، يرى في هذا الجانب ضرورة الأخذ بتطور الاحداث السياسية والواقع العملي وتطور الظروف الموضوعية والذاتية وميزان القوى الاجتماعية المحركة للفعل الثوري ورد فعل السلطة. ولهذا كان ينبغي على المنتفضين أخذ هذه الشروط والقوانين بنظر الاعتبار.

ـــــــــــــــ

المصادر

- عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي عزيز سباهي ج2 ص 574.

- نفس المصدر السابق.

-الثقافة الجديدة 144ص 122 عشرون عاما على انتفاضة معسكر الرشيد – سعاد خيري.

-من حوار المفاهيم إلى حوار الدم، الدكتور علي كريم سعيد ص 305

- جاء في بيان للحركة تشكيل الحكومة على الشكل التالي (رئيس الجمهورية كامل الجادرجي ورئيس الوزراء المقدم سليم الفخري ونائب رئيس الوزراء مصطفى البرزاني أما بقية الوزراء فهم أما ديمقراطيون من الحزب الوطني الديمقراطي أو من الحزب الديمقراطي الكردستاني أو من الحزب الشيوعي العراقي وكذلك من المستقلين ومن مختلف أطياف العراق وقومياتها بما فيها جلال الطالباني يكون وزيرا للإسكان ورحيم عجينه وزيرا للصحة ومحمد مهدي الجواهري وزيرا للثقافة ... الخ).

*كان لسائق القطار عبد عباس المفرجي دور كبير في انقاذ السجناء السياسيين من خلال سرعته في قيادة القطار والوصول إلى محطة السماوة.

عرض مقالات: