اخر الاخبار

مساء يوم 26 ايلول 2021، يوم الانتخابات العامة الأخيرة، أصبح واضحا أن عددًا قليلاً جدًا من مواطني المانيا الاتحادية يعتقدون بالحاجة إلى حزب اليسار لتمثيلهم في البرلمان. ولم يعد الحزب ضروريا لتشكيل الحكومة الجديدة، على الرغم من أن حملته الانتخابية كانت تهدف أساسا إلى المشاركة في الحكومة الاتحادية. وبينت خسارة الحزب للكثير من أعضائه، أن الكثير منهم لم يعودوا بحاجة إليه، ليس بالضرورة نتيجة اليأس منه. إن الحزب الذي لا يحتاجه المواطنون ولا النظام السياسي ولا حتى أعضاؤه يعاني من أزمة وجود.

قراءة تاريخية

منذ عام 1990 كانت هناك محاولتان رئيسيتان لبناء حزب اشتراكي على يسار الديمقراطية الاجتماعية. المحاولة الأولى كانت تأسيس حزب الاشتراكية الديمقراطية، كخلف للحزب الاشتراكي الألماني الموحد الذي حكم المانيا الديمقراطية السابقة، والذي تفكك بزوالها. لقد استطاع الحزب تأكيد نفسه، بصعوبة، باعتباره حزبا شعبيا يساريا إقليميا وصوتا للألمان الشرقيين، مشاركا في ترتيبات الانضمام إلى جمهورية المانيا الاتحادية، وكمدافع عن العاملين بأجر في شركات ألمانيا الديمقراطية الذين فقدوا عملهم، وعن الذين فقدوا ممتلكاتهم، وبيتا سياسيا لمن تمسكوا بالاشتراكية. وامتلك الحزب طاقما قياديا قويا بقيادة غريغور غيزي ولوثر بسكي، استطاع إدارة تناقضات المشروع بأسلوب متطور. وعندما تم التعامل مع فقرات جدول العمل الأكثر إلحاحًا لإتمام عملية الانضمام، فشل الحزب في طرح توجهات جديدة مقنعة، وخرج من البرلمان الاتحادي في انتخابات عام 2002 ولم يتمكن من الاستقرار مرة أخرى إلا في مؤتمر حزبي استثنائي في أوائل صيف 2003.

المحاولة الثانية كانت من خلال مبادرة “العمل والعدالة الاجتماعية”(بعد الانشقاق في الحزب الديمقراطي الاجتماعي - المترجم)، وارتباطا بالتوجهات الجديدة لحزب الاشتراكية الديمقراطية، وتوحيد التنظيمين، في إطار حزب اليسار الحالي. لقد أدت أجندة المستشار الألماني الأسبق غيرهارد شرودر الليبرالية الجديدة العدوانية 2010 إلى اغتراب معظم التيار اليساري داخل الحزب الديمقراطي الاجتماعي، وكذلك داخل النقابات العمالية. لقد كانت أجندة 2010 هجومًا مفتوحًا على المكتسبات الاجتماعية التي تم تحقيقها بنضال العمال الأجراء الصعب. وقد سبق ذلك القطيعة مع سياسة السلام، نتيجة المشاركة في الحرب ضد صربيا. مرة أخرى، كانت أهمية دور الحزب واضحة: عارض حزب اليسار الليبرالية الجديدة ورأسمالية السوق المالية بالإضافة إلى الأجندة الإمبريالية للولايات المتحدة بأجندتها في السياسة الاجتماعية والسلام، ووضع بدائل مثل الحد الأدنى للأجور ومعاشات مكافحة الفقر على جدول الأعمال. لقد جسد الحزب أهميته العملية في البلديات والولايات وأصبح البيت السياسي، لبضع سنوات، لمجموعة يسارية ذات أصول مختلفة تمامًا، ومثل الثنائي في قمة الحزب غريغور غيزي واسكار لا فونتين الأرضية المشتركة الجديدة، بدعم من العديد من النقابيين والنشطاء ذوي الخبرة من اليسار السياسي والاجتماعي.

منذ منتصف عام 2010، تغيرت الأجندة السياسية مرة أخرى وفقدت الليبرالية الجديدة من زخمها. والأزمة المالية والاقتصادية الكبرى من عام 2007 إلى عام 2009، وأزمة الاتحاد الأوروبي، تصاعد الهجرة نتيجة الحروب والحروب الأهلية في الشرق الأدنى والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي أثارتها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها، والوباء، والدمار المناخي البين.  وتدعو الآن الحرب على أراضي أوكرانيا، إلى إعادة هيكلة شاملة للاقتصاد والمجتمع والسياسة الداخلية والخارجية والأمنية. إن بدء تفكير جديد وسياسة جديدة (غورباتشوف) و “ثورة عالمية” للاستدامة (نادي روما)، التي رفضها الغرب في عام 1989، عادت بعد 30 عامًا بقوة. إنها تدور حول تحديد المسار بشكل أساسي على جميع مستويات أزمة اليوم، والكوارث ورأسمالية زمن الحرب، إلى جانب التحولات العالمية الأساسية في السلطة. تحدد هذه الأجندة الجديدة، السياسة في جمهورية المانيا الاتحادية أيضًا.

أربعة أحزاب كبيرة ومتوسطة تحدد السياسة البرلمانية الألمانية: لقد تحول الحزب الديمقراطي الاجتماعي مرة أخرى إلى النقابات وصنع لنفسه اسمًا كصوت للاعتدال في أوقات رأسمالية الحرب وإعادة الهيكلة البيئية التي بدأت. ويلتزم حزب الخضر بأجندة رأسمالية خضراء وعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة ومعسكرها في المواجهات الجديدة. الحزبان الديمقراطي المسيحي والاجتماعي المسيحي يستفيدان باعتدال من ضعف الآخرين ويبحثان عن دورهما الخاص.  ورسخ حزب البديل من أجل ألمانيا نفسه بحزم كحزب يميني (متطرف – المترجم) عبر الاستياء ضد السياسة السائدة، إلى جانب تحريف التاريخ والعنصرية الثقافية والقومية الاقتصادية المتسقة والموجهة نحو السوق. يريدون توسيع ألمانيا لتكون حصنًا في العواصف المقبلة.  والحزب الليبرالي الحر يلعب دور الوصي على الأسواق وممثلا للأعمال التجارية، والحفاظ على ما هو قائم في قطاعي السيارات والطاقة النووية. من ناحية أخرى، لا يثير حزب اليسار الانتباه، إلا عندما يمزق نفسه. ما هي القيمة العملية التي يمكن أن يتمتع بها حزب اشتراكي يساري في المانيا الاتحادية اليوم؟ لم يجد الحزب بعد إجابة مناسبة على هذا السؤال.

لا يحظى حزب اليسار بفرصة إلا إذا أطلق، بعد محاولتي عامي 1990 و2003، بجدية محاولة ثالثة لتجديد اليسار السياسي خارج الحزب الديمقراطي الاجتماعي، وأثبت في الانتخابات الأوروبية لعام 2024 إمكانية نجاحه. ويجب أن تكون نقطة البداية هي موقع الحزب في الاضطرابات المجتمعية الجديدة. ان هناك تحولا ذو شقين على جدول الأعمال اليوم: تحول الاقتصاد تحت عنوانين رئيسيين الحياد المناخي والثورة التكنولوجية الرقمية وما يتعلق بالعلاقات الجيوسياسية. والسؤال ليس ما إذا كانت هذه التحولات ستحدث، بل كيف ستحدث ولمصلحة من. وهذا يعيد السؤال الطبقي إلى الواجهة، ويصبح البديل الاشتراكي موضوع الساعة مرة أخرى.

المجتمع الطبقي الرأسمالي في تحول كبير مرة أخرى

أولاً، التحديات البيئية الوجودية تشكك بشكل أساسي بنمط الإنتاج والاستهلاك الرأسمالي. وأصبح الإنتاج المعتمد على الطاقات الأحفورية بلا مستقبل. وهناك ضرورة لعمليات التحول الشامل في الاقتصاد، وقبله في الصناعة. وفي الواقع، إن عمليات التحول هذه جارية، وتجري في ظل ظروف متناقضة لتطور رأسمالي يؤدي باستمرار إلى أزمات ويرتبط بعدم مساواة واستقطاب اجتماعيين القديم منها والجديد. إن المجتمع الطبقي الرأسمالي في حالة اضطراب مجددا. ويتزايد العمل المأجور، ويتميز بمشاركة نسب متزايدة من النساء والمهاجرين، وبالانقسام إلى “منتصرين” و “خاسرين”. ويحوم الخوف من الهبوط في السُلم الاجتماعي.

وهنا يجب أن يبرهن حزب اليسار على أنه قوة اجتماعية وسياسية تركز على العلاقة بين الاجتماعي والبيئي وفق رؤية العاملين الاجراء. وفي الوقت نفسه، يتطلب هذا تحولًا في الرأسمالية لتجاوزها، أي تغيير النظام. تتمتع الاشتراكية بالراهنية مرة أخرى. وتدرك قوى اليسار هذا جيدا. ومع ذلك، فإن جهود العقد الفائت لطرح أسئلة جديدة، مثل العلاقة بين المشاكل الاجتماعية والبيئية، لم تحقق، سوى نجاح محدود للغاية.  ولهذا يجب على حزب اليسار أن يقنع مواطنيه بقيمته المجتمعية والسياسية العملية، بناءً على الأجندة الجديدة، والتأثير بشكل فعال في توازن القوى ومشاريع النظام السياسي، ويمثل بأسلوب جديد البيت السياسي للمجموعات الحزبية المتصارعة والواقفة على حافة قتال الاخوة (إشارة إلى احتمال حدوث انشقاق في الحزب – المترجم)، وكذلك للناشطين الجدد. سيتم طرح الأسئلة على أساس رؤية المصالح والمنفعة الطبقية، ولا يجري التركيز على ما يفرق، بل على ما يوحد.

ثانيًا، نحن نتعامل مع تغييرات جيوسياسية أساسية. تصارع الولايات المتحدة للحفاظ على دورها المهيمن المتراجع في العالم. وتم تحديد الصين باعتبارها المنافس الرئيسي للنظام. وهناك حرب باردة أيديولوجية مستمرة ساخنة، مما يزيد بشكل كبير من خطر المواجهة العسكرية المفتوحة، بما في ذلك الحرب النووية. الناتو والاتحاد الأوروبي مصطفان مع الولايات المتحدة. وبالضد من ذلك، تسعى الصين جاهدة إلى نظام متعدد الأقطاب، وكذلك تفعل الهند وسلسلة كاملة من البلدان في أمريكا اللاتينية (البرازيل) وأفريقيا (جنوب إفريقيا)، إلى جنب تعزيز تسليحها وهيمنتها. تدور حروب وصراعات عسكرية في جميع أنحاء العالم، وتنشأ تحالفات عسكرية جديدة مثل حلف “اوكاس” (أستراليا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة). ان الحرب في أوكرانيا جزء من هذا الصراع الجيوسياسي. ولها أبعاد مختلفة: إنها حرب عدوانية من جانب روسيا وحرب دفاع من قبل أوكرانيا، حيث يريد الغرب إضعاف روسيا من الناحية الجيوسياسية بشكل دائم. يتعلق الأمر بأمن دول الاتحاد الأوروبي وجيرانها، والاستقرار في منطقة البحر الأسود وآسيا الوسطى. وحزب اليسار، الذي يعتبر نفسه حزب سلام، لم يتخذ موقفا مقنعا بعد في هذا الصراع، ويبدو غامضا.يشتكي أولريك إيفلر وسوزان فيرشل ويان ريشتر بحق من أن حزب اليسار معني بالقضايا الاجتماعية، لكن ليس لديه توجه طبقي كافٍ وفقد البوصلة الطبقية. ويسير هذا جنبًا إلى جنب مع التوجه غير الكافي نحو عالم العمل والعاملين بأجر ونقاباتهم العمالية (قارن إيفلر وآخرون. “اليسار يحتاج إلى بوصلة طبقية” في عدد 12/ 2022 من مجلة الاشتراكية صفحة 39).

تهيمن ضغوط المنافسة في سوق العمل على طبقة العاملين بأجر والمعتمدة على رأس المال. ان التباين في المؤهلات، بين قطاعات العمل، وخصائص الجنس، والعمر، والثقافة، والتوجه الجنسي أو الأصل أو مكان الإقامة تخلق اختلالات في توازن القوة وفرصا مختلفة في الحياة. كان فريدريك انجلس يعرف أن المنافسة بين العمال هي “أسوأ جانب من الوضع الحالي” (انجلس 1844)، لأنها تعرض الذين يستطيعون التعايش في تضامن وكرامة مع بعضهم البعض إلى الانشقاق. إن المستوى العالي من عدم التجانس في طبقة الأجراء هو بالضبط ما يجعل من الضروري تطوير ما هو مشترك بينهم. تتضح هذه الأرضية المشتركة بشكل خاص عند النظر إلى الطبقة ككل من وجهة نظر الأكثر تعرضًا للخطر، والذين يعانون من التبعية أكثر من غيرهم. وعلى حزب اليسار أن يطرح أسئلة بناء تخص الحياة اليومية للأجراء، أو واقع عملهم، أو تجاربهم مع أجرة المساكن، التضخم، أو تجارب أطفالهم في المدارس المكتظة، وما هو مرتبط بالمعاشات التقاعدية.

قد يبدو أن الأمر غير متوقع، إلا أن أحدث النقاشات الأساسية تدور حول الاتجاه الذي تتخذه التحولات الجذرية في عالم العمل والإنتاج والرعاية والحياة والعلاقات مع الطبيعة والناس والدول، والشعوب ببعضها البعض.  وبقدر ما تبدو جديدة فهي مرتبطة بأسئلة اليسار القديمة. في الأزمة الأساسية للرأسمالية اليوم، يجب أن يعيد حزب اليسار تشكيله كقوة اشتراكية واعية للطبقية، وإلا فإنها ستفشل وتموت. يجب أن يحلل المجتمع في شكله الحديث من منظور طبقي، وأن يطرح مسألة أهمية الحاجة اليه كحزب، لتعزيز عمله التضامني. ان الشيء الأكثر محافظة عند اليسار، هو السؤال الطبقي، وهو الأكثر حداثة ومعاصرة أيضًا.

لا يمكن لحزب اليسار التوافق مع النظام

تصبح الانقسامات العميقة في الحزب واضحة دائمًا، عندما تجتاح الصراعات العنيفة المجتمع الألماني بشأن الهجرة والوباء والآن حرب أوكرانيا. بالضبط عندما تكون هناك الحاجة أولا إلى موقف يساري مقنع، هناك مواقف معاكسة تمامًا ويبدو أن الأكثرية في الحزب تتبنى مجرد سياسة اجتماعية أو سلمية تصحيحية وسطية. لقد تراجعت في أجزاء من الحزب القضايا الطبقية، بحيث تنتشر الميول اليسارية الليبرالية واليسارية الليبرتارية (فلسفة حرية الأفراد). ويتم تفضيل هذا الاتجاه، عندما تقتصر سياسة الحزب إلى حد كبير على تصحيحات السياسة السائدة، وتحل المواقف الأخلاقية محل التحليل المادي، عندما لا يتم التعامل مع مصالح المجموعات المعينة أو حتى الدول في سياق الظروف الرأسمالية الامبريالية، وليس في سياق العلاقات الطبقية. يتطلب الكفاح من أجل تغيير حقيقي في النظام الحالي منظورًا طبقيًا. وبدونه، يتم التكيًف مع “التيار الرئيسي”. لا يمكن لحزب مثل حزب اليسار أن يتوافق مع النظام أبدا، بل يجب أن يكون دائمًا ناقدًا للسلطة والرأسمالية والنخبة ويجب ألا تغيب عنه الرؤية اشتراكية. إن الأمر يتعلق “بالسياسة الواقعية الثورية” (روزا لوكسمبورغ)، التي تطلق قوة التحولات المجتمعية لتبدأ هنا والآن. وهذا يتطلب أن يكون الحزب على دراية بالتناقضات الحقيقية، ولا يتجنبها طلبا للراحة أو الانقسام إلى أضداد زائفة متباعدة. إنه تناقض خاطئ عندما يوضع حزب شعبي، يرى فيه كثير من المواطنين ممثلهم والمتحدث السياسية باسمهم، في تعارض مع “ حزب يركز أعضاؤه على توجه حركي”. لقد كانت الأحزاب الشيوعية والاشتراكية والعمالية تجمع كلاهما، وكسبت قوتها من خلال القدرة على الجمع بينهما. كما أن الفصل بين هويات المجموعات المختلفة والمسألة الطبقية كأرضية مشتركة، تناقض خاطئ هو الآخر. منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في 24 شباط 2022، أصبح حزب اليسار الضعيف، حزبا يعيش عملية تفكك. لقد فشل الحزب في بلورة موقف مقنع مشترك من الحرب، والذي حدث هو العكس تماما. وأدت محاولة تجنب الصراعات المرتبطة بها إلى تفاقم لا يطاق. الحرب تهيمن دائما على جدول الأعمال. ويتم طرح جميع الأسئلة الاجتماعية والثقافية والبيئية والدولية على أساس العلاقة بها. لا يمكن للمرء أن يكون غامضًا في مسألة الحرب والسلام وفي نفس الوقت يمارس سياسة يسارية. تتساءل طبقة الأجراء بحق: ما هي السياسة المفيدة لنا في الوضع الملموس؟ تجد طبقة الأجراء والفئات الوسطى والدنيا من الطبقة الوسطى صعوبة متزايدة في تغطية نفقاتها، والفئات الادنى أصبحت تعتمد، أكثر من أي وقت مضى، على دولة الرفاهية، أو تعتمد على مبادرات إطعام المعدمين. وتتضح الصورة، خصوصا في ألمانيا الشرقية، حيث فقد اليسار، إلى حد كبير، دوره الناجح كمدافع عن هذه المصالح الخاصة، وكذلك رسوخه في المجتمع المدني. وبالنسبة للعديد من المواطنين، يبدو المستقبل في خطر، بقدر تعلق الأمر بالشركات التي يعتمد عليها العاملون في السراء والضراء، ويرتبط هذا أيضا بقدرة الدولة على توفير الضمانات، فيما يتعلق بأزمة المناخ أو انعدام الأمن العالمي وموجات اللجوء.

يجب طرح السؤال الطبقي القديم على الطاولة مجددا

في النهاية، يجب على حزب اليسار أن يسأل نفسه ما هو دوره الصحيح في هذه المجموعة من الصراعات والتناقضات، ولا يمكنه فعل ذلك إلا من خلال تفعيل البوصلة الطبقية. يجب إعادة طرح السؤال الطبقي القديم على الطاولة: من المستفيد من سياسة الحكومة الالمانية بتوسيع شحنات الأسلحة والعقوبات وانتظار هجوم عسكري جديد؟ يجب على اليسار معارضة هذه السياسة بحزم. يجب أن يركز الحزب على مسألة المصالح في سياق كيفية التحول الصناعي، في مجالات التعليم والرعاية، في دمج اللاجئين والمهاجرين، في جميع قضايا اليوم الملتهبة. واساس ذلك هو تحالف طبقة العاملين بأجر مع الفئات الدنيا من الطبقة الوسطى، الذي يوحد جميع الواقعين تحت رحمة انعدام الأمن وعدم المساواة الرأسمالية مع كل من يعمل من أجل مجتمع قائم على التضامن.

انطلاقا من وجهة نظر الطبقات العاملة في جميع البلدان، يجب أن تكون المطالب اليوم: “ألقوا السلاح”، ووقف إطلاق النار، والمفاوضات مع منظور نظام سلام وأمن وتنموي جديد في شرق وجنوب شرق أوروبا، ومنع حرب باردة كارثية. لم تبدأ الحرب في أوكرانيا في شباط 2022 وأسبابها لا تكمن في روسيا فقط، ولكن أيضًا في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وكذلك في أوكرانيا نفسها، لذلك لا يمكن إيجاد الحلول إلا سوية. إن المهمة الرئيسية لليسار هي الضغط على الحكومة الاتحادية، وعلى الرأي العام الألماني، وعلى وسائل الإعلام، وعلى الشركات المستفيدة من الحرب، لإحداث تغيير في السياسة الرسمية. هذه هي الطريقة الوحيدة للنضال بنجاح من أجل الدفاع عن الحقوق الاجتماعية، والانتقال السريع إلى الحياد المناخي في الاقتصاد والمجتمع، وضمان تحول الاقتصاد، وتعزيز الخدمات العامة وتوسيع الملكية المشتركة.

الحاجة إلى مركز استراتيجي مقنع

لن يجد حزب اليسار طريقه للخروج من أزمته الوجودية إلا إذا نجح في تحديد أهميته كحزب عدالة اشتراكي في حالة عدم اليقين الشديد، والاضطراب الجديد للوضع العالمي، وعلى هذا الأساس، يتصرف في النهاية بشكل استراتيجي موحد. هذا مستحيل دون تشكيل قيادة على المستوى الاتحادي. لا يوجد حتى الآن للحزب مركز استراتيجي مقنع قادر على تجاوز التناقضات الخاطئة وصياغة التناقض الصحيح مع السياسة السائدة. بدون مثل هذا المركز القيادي، لن يكون للحزب فرصة في محاولة استقراره الثالثة. ولا يمكن تشكيل المركز الاستراتيجي للحزب من قبل أغلبية ضيقة في مؤتمرات الحزب، والتي يتمتع فيها محترفو العمل السياسي بتأثير مفرط. تتشكل القيادة بالأساس من جمع المناهج اليسارية المشروعة المختلفة، وترجمتها إلى سياسات تدخلية. إذا تم تجاهل النهج اليساري الأساسي بشكل دائم أو دفعه للخلف أو حتى شجبه، فإن أنصاره ينسحبون أو يتركون الحزب أو تحدث الانشقاقات. المطلوب ليس تأسيس حزب بعيد عن حزب اليسار، بل تجديد بناء الحزب.

يمثل مؤتمر الحزب المقبل في تشرين الثاني 2023، التاريخ الذي يجب ان تنتهي فيه عملية التفاهم والاتفاق الاستراتيجيين. وسيكون ذلك معيارا لقدرة الحزب على تشكيل مركز قيادي استراتيجي تكاملي، والذي بدونه لا يمكن للحزب ان يكون. في الطريق إلى هناك، ستكون المهمة الجمع بين التحليل والفهم الطبقيين الاستراتيجيين، وتطوير مشاريع مدعومة بشكل مشترك تجسد القيمة العملية لليسار في محاولة الاستقرار الثالثة. بدون “بالرغم من كل شيء” (اقتباس من كارل ليبكنشت)، بدون الشجاعة لتحدي الحكام، هياكل السلطة الرأسمالية، ودعاة الحرب، لن تنجح.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشرت في جريدة نويز دلايجلاند الألمانية في 1 حزيران 2023.

**د. هاينز بيرباوم: الرئيس السابق لحزب اليسار الأوربي، ورئيس مؤسسة روزا لوكسمبورغ حاليا.

ود. ميشائيل بري: رئيس القسم العلمي فيها.

عرض مقالات: