اخر الاخبار

تتصاعد منذ فترة التصريحات عن التعديل الوزاري عبر إقالة عدد من وزراء حكومة السيد محمد شياع السوداني وردود الأفعال حولها التي تصدرت حولها من المتابعين والمهتمين للحلقة القريبة من السيد السوداني ومن داخل قوى تحالف إدارة الدولة ومن خارجها، ولأجل تسليط الضوء على الطابع القانوني والدستوري وتداعياته، تم إعداد هذه المادة.

في النظم البرلمانية ذات الحزبين الكبيرين

تتشكل الوزارة في النظم البرلمانية من خلال تقديم رئيس الوزراء المكلف إلى مجلس النواب أسماء الكابينة الوزارية إلى مجلس النواب، من أجل منح وزارته الثقة، وحال الحصول عليها تباشر بمهامها المنصوص عليه في الدستور.

وعادة ما يجري التصويت على الوزارة (رئيس مجلس الوزراء والوزراء) بدفعة واحدة وذلك لمنح الحرية الكاملة لرئيس الوزراء في اختيار الكابينة الوزارية التي تؤمن تنفيذ المنهاج الوزاري، ولا يجري في النظام البرلماني التصويت على الوزراء منفردين. وعلى هذا الأساس لرئيس الوزراء الحق في القيام بالتعديل الوزاري واستبدال أي وزير من وزارته عندما لا يجد فيه الأداء المتوقع والمنسجم مع السياسة العامة للوزارة، أو أن أداءه لم يكن بالمستوى المطلوب. ويلجأ عدد من الوزراء إلى تقديم الاستقالة لرئيس مجلس الوزراء عندما يرى ان السياسة العامة للوزارة لا تلبي تطلعاته.

ويجري التعديل الوزاري في النظم البرلمانية ذات الحزبين الكبيرين من خلال استبدال عدد من الوزراء بآخرين بدلا عنهم من قبل رئيس الوزراء بانسيابية وبدون أي اختلالات تذكر في الجانب القانوني والدستوري لمكانة الوزارة، لأن رئيس مجلس الوزراء دائما ما يكون رئيس الحزب الحائز على الأغلبية في مجلس النواب او بترشيح منه، وهو لا يقدم على أي تعديل وزاري مرتقب إلا إذا حصل من قبل الحزب واعضائه في البرلمان على الموافقة الضمنية.

في الحكومات الائتلافية

تتشكل في العديد من النظم البرلمانية ذات الأحزاب المتعددة حكومات ائتلافية، لعدم وجود أحزاب كبيرة قادرة لوحدها الحصول على الأغلبية المطلقة التي تمنحها الثقة لتشكيل الحكومة بمفردها، فيلجأ الحزب القادر على تشكيل كتلة نيابية كبيرة على تشكيل حكومة ائتلافية تتكون من عدد من الأحزاب، ويواجه رئيس مجلس الوزراء في الحكومات الائتلافية، إشكالية إذا أقدم على تعديل وزاري من خارج حزبه، مما يؤدي إلى انسحاب أعضاء الحزب المؤتلف مع الحكومة الذي تم استبدال وزيره، وكذلك سحب الدعم له في البرلمان مما يؤدي إلى احتمال طرح الثقة بالحكومة، وذلك عند عدم تقديم حجج كافية او ضمان الموافقة المسبقة وتكون عملية الاستبدال ضمن اطار الحزب نفسه.

ومن الجدير بالذكر عند انسحاب أي طرف من الحكومات الائتلافية، يحدث اختلال بمكانة هذه الأغلبية، مما يستدعي من المعارضة لسحب الثقة في الحكومة الائتلافية، وفي الغالب عند انسحاب أي طرف من الحكومة ينظم تلقائيا إلى صفوف المعارضة، مما يسهل من عملية طرح الثقة عنها.

ولذلك يتردد رئيس الوزراء في الحكومات الائتلافية بأجراء أي تعديل وزاري، تحسبا إلى إمكانية عدم بقائه في موقعه. وهو المعتاد عليه في النظم البرلمانية التي تكثر فيها الأحزاب في مجلس النواب. والتي تتميز بعدم الاستقرار الوزاري. وهذا ما نشهده في دول عديدة مثل المانيا، إيطاليا، اسبانيا.

في نظم الديمقراطية التوافقية

في الدول ذات النظم البرلمانية التي تتميز بعدم الانسجام الاجتماعي والانقسام السياسي والتي تتشكل أحزابها على أساس الانتماء الطائفي والقومي والديني، يقوم رئيس الوزراء المكلف بتشكيل وزارته على أساس التوافق بين هذه الأحزاب، وهي حالة مؤقتة وانتقالية تتشكل على ضوئها الحكومات حتى يتعافى المجتمع نحو دولة المؤسسات والمواطنة وذلك من خلال تشكيل الأحزاب والتحالفات المبنية على التعددية الطائفية والقومية والدينية، للوصول إلى النظام القائم على الأغلبية والأقلية.

ويكون تشكيل الوزارة على أساس التوافق وفق النسب السكانية لهذه المكونات، وعادة ما تستأثر بها الأحزاب الكبيرة لهذه المكونات، بحيث تكون الحكومة ذات قاعدة عريضة داخل مجلس النواب مؤيدة لها، ونادرا ما يحدث تعديل وزاري بالإرادة المنفردة لرئيس مجلس الوزراء، ودون الرجوع لقادة الأحزاب التي تشكلت منها الوزارة.

إقالة الوزير في العراق

ما يميز الدستوري العراقي النافذ عن غيره من النظم البرلمانية هو ان يكون الوزير قد حاز على ثقة مجلس النواب بالأغلبية المطلقة بشكل منفرد (الفقرة ثالثا، المادة 76 من الدستور العراقي لسنة 2005) والقاعدة القانونية التي أتت بالوزير إلى مجلس الوزراء هي نفسها التي تخرجه منه، وبإقالة الوزير تتطلب أيضا موافقة قبل مجلس النواب باقتراح من رئيس مجلس الوزراء، ولم يشترط النص الدستوري الأغلبية المطلقة لإقالة الوزير انما اكتفى بنص عبارة “موافقة” وقد فسرتها المحكمة الاتحادية بالأغلبية البسيطة، ولم يشترط النص الدستوري بوجود أغلبية محددة عند طرح إقالة الوزير، مما يعني في حالة استكمال النصاب المقرر لانعقاد جلسة المجلس والتي هي النصف زائد واحد، فإذا حاز المقترح بأغلبية الحضور تكون الإقالة حاصلة. بعكس سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء التي تتطلب الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب (3، البند ب، الفقرة ثامنا، المادة 61 من الدستور العراقي لسنة 2005).

ان هذا الموقف يتناقض مع القواعد السائدة في النظام البرلماني التي تتيح لرئيس الوزراء بإقالة الوزراء دون التدخل من قبل البرلمان باعتباره المسؤول عن سياسة الوزارة ويتحمل بالنهاية مسؤولية أعمالها امام البرلمان، ولا سيما ان رئيس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة حسب نص المادة (78) من الدستور.

ومن هنا أن رئيس مجلس الوزراء ليس مطلق اليد بإقالة الوزير، وهو محكوم بمبدأ التوافقية والتحالف النيابي الذي جاء به على رأس مجلس الوزراء، فإن أي اختلال بهذا المبدأ من الممكن ان يفرط بعقد التحالف، إذا لم تكن هناك مشاورات مسبقة وحجج كافية عند طرح فكرة التعديل الوزاري، وان يكون البديل ضمن إطار الحزب الذي خرج منه الوزير.

إن فلسفة الدستور العراقي قائمة على التوافقية، فمن أجل أن لا ينفرد أي طرف بالاستحواذ على السلطة لوحده، أوجد المشرع الدستوري عددا من الموانع ومنها تصويت مجلس النواب على طلب إقالة الوزير من قبل رئيس مجلس الوزراء، الذي يكون في العادة من المكون الاكبر، وان المشكلة التي تواجه رئيس مجلس الوزراء عند الإعلان عن التعديل الوزاري دون التشاور المسبق مع رؤساء الكتل المشكلة للتحالف الحاكم وآخذ موافقتهم، قد يواجه عدم موافقة مجلس النواب لطلبه، وهذا ما يصل في الكثير من الأحيان إلى تقديم الاستقالة حفاظا على مكانته المعنوية وهو التقليد المتبع في معظم النظم البرلمانية.

ــــــــــــــــــ

* نائب رئيس مركز بغداد للتنمية القانونية والاقتصادية

10 أيار 2023

عرض مقالات: