اخر الاخبار

في بداية العام الدراسي 1973/1974 تم قبولي في جامعة الموصل. وبعد وصولي بأيام قلائل وصل ترحيلي كعضو اتحاد الطلبة العام من بغداد إلى جامعة الموصل والتي اكتشفت فيها أن اتحادنا قوي ويعمل بنشاط منذ سنين.

اتصل بي الزملاء ولديهم فكرة جيدة عني وعن نشاطي، فأوكلوا لي وزميلين آخرين مهمة تشكيل لجان أطلق عليها (لجان استقبال الطلبة الجدد).

وبعد اجتماعين بإشراف أحد زملاء سكرتارية الجامعة، شكلنا عددا غير قليل من هذه اللجان ومن مختلف الكليات والتي يعمل فيها زملاء عرفوا بنشاطهم وحيويتهم. كان العمل دقيقا ومنظما إلى حد أن جرى اختيار زملاء هذه اللجان لديهم هوايات معينة، كالرسم والشعر والمطالعة والمسابقات الرياضية. طبعا الغاية من هكذا اختيارات لتنوع الاهتمامات، ومن المتوقع أن يلتحق بالجامعة طلبة جدد من مختلف المشارب وينحدرون من أصول منوعة حيث عرف سهل نينوى بالتنوع الاثني والديني والفكري، إلا أن الملفت أن أعدادا ليست قليلة من الطلبة هم من أهل محافظات جنوب الموصل.

تم توزيع هذه اللجان على منافذ دخول الموصل الطرق البرية – (اي الكراج)، المطار ومحطة القطار والغاية هو استقبال الطلبة الجدد والذين لا نعرفهم، هل هم من اعضاء الاتحاد ام لا. المهم التعارف وكسبهم إلى الاتحاد اما كأعضاء جدد أو أصدقاء للاتحاد.

كان نصيبي مع زميلين آخرين، محطة القطار، نستيقظ مبكرا ونذهب بالمواصلات إلى محطة القطار حيث نعرف موعد وصول القطار، والذي ـ أي القطار ـ كانت مواعيده غير دقيقة تماما، مما يضطرنا احيانا الانتظار فترات طويلة.

اختيار الزملاء لأداء هذه المهمة النضالية كما قلت لم يكن عشوائيا فيجب ان يمتاز الزميل بقوة الفراسة والذكاء بحيث يستطيع ان يميز الطالب الوافد، جديد ام لا.

قسمنا العمل انا وزميلاي الآخران، وكنا نحمل الورد او قطعة الحلوى لنعطيها لكل من نتعرف عليه، وفعلا حصل أننا (مجموعتي)، قد تعرفنا إلى عدد غير قليل وكان لنا شرف حصول انتمائهم إلى الاتحاد لاحقا.

بعد ان يصل القطار إلى المحطة ويبدأ الركاب بالنزول، نتجه إلى الطلبة الجدد، وكما قلت فالزملاء المكلفون بهذه المهمة يمتلكون الفراسة القوية والنباهة المتميزة، وكان حينما نتعرف على مجموعة من الطلبة الوافدين (وغالبا ما كانوا يأتون سوية كمجموعات صغيرة بحكم الزمالة والصداقة بينهم)، مما وفر لنا الوقت والجهد في شرح مبادئ وبرامج الاتحاد النضالية.

صادف مجموعتنا التي كنت أحد افرادها ان التقينا بطلبة هم من اصول يسارية وآخرين من أصول بعثية وقومية متشددة، (لم تكن ظاهرة التمسك والتعصب الديني واضحة للعيان او منتشرة)، والتقينا بعدد آخر غير قليل (وهذا هو هدفنا)، طلبة لا يعرفون في الدنيا غير الدرس والتعليم، بمعنى أنهم (خام).

طريقة التعرف كانت ان يذهب زميلان باتجاه الوافد ويقدمان نفسيهما باسم الاتحاد عارضين الخدمات، والخدمات تعني (ايصالهم إلى المجموعة، والتسجيل في دائرة التسجيل الخاصة بالجامعة وتحديد سكنهم في الاقسام الداخلية او مساعدتهم على ايجاد سكن خارج المجموعة واقسامها الداخلية). اما الزميل الثالث – وفي اغلب الاحيان كانت هذه هي مهمتي، هو الشروحات الواسعة عن الاتحاد وتاريخ نضاله الجبار، وقد حظينا بعدد غير قليل من هؤلاء الزملاء، دون ان ننكر عزوف آخرين عن الاستماع الينا.

لقد اثارت هذه النشاطات النضالية المتميزة بعد فترة ليست قصيرة حفيظة الاتحاد الوطني المخابراتي البعثي بحيث أصدروا قرارات الزموا رئاسة الجامعة للالتزام بها ولكن الطلبة بشكل عام كانوا ميالين لاتحادنا حيث أقمنا السفرات العديدة في ربوع الموصل الرائعة.

شكلت تلك التجارب النضالية جزءا مهما وفعالا في صقل شخصياتنا السياسية لاحقا.

شكرا لحبي الأول اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية

عاشت ذكرى تأسيسه الخامسة والسبعون.