اخر الاخبار

إن تكوين  الحزب البروليتاري الثوري وطبيعة مهامه من وجهة النظر الماركسية يعتمد على الموقف الطبقي من الصراع الدائر بين البروليتاريا والبرجوازية،  وعلى  موقع الطبقة العاملة وحلفائها  في الصراع الدائر الذي يتطلب بناء حزب سياسي ينقل الطبقة العاملة من طبقة بذاتها يدور نضالها  في إطار العمل النقابي الاجتماعي إلى طبقة لذاتها عبر تشكل حزبها السياسي البروليتاري الثوري، والذي وضع  كارل ماركس برنامجه بخطوطه العامة في البيان الشيوعي الذي كتبه في 1848 في خضم الأحداث الثورية العاصفة في اوربا، وقد قام ماركس وأنجلس بتشكيل شبكة المراسلين في فرنسا وانكلترا وألمانيا في ،1846 وبعد اتحادها مع عصبة العادلين بقيادة كارل شابر في عام 1847، حيث قام ماركس بالخطوة العملية  الأولى لتكوين منظمة سياسية للطبقة العاملة أطلق عليها (العصبة الشيوعية ) وطرح برنامجا يعتمد النضال السلمي للطبقة العاملة ونبذ روح المغامرة  والعنف .

وانطلق ماركس من خلال ذلك للعمل على بناء منظمة عالمية للطبقة العاملة مؤكدا على أهمية الحزب الثوري في نضال الطبقة العاملة وحلفائها الفلاحين والمثقفين الثوريين وسائر الشغيلة والكادحين، وقد تحقق ذلك في لندن(1864-1876) بتأسيس جمعية الشغيلة  العالمية (الأممية الاولى ) والتي ضمت في صفوفها جمعيات و منظمات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار من البرونديين والبلانكيين والشارتيين والباكونيين والقوميين البولنديين والاشتراكيين الألمان والجمهوريين الايطاليين، واستطاع ماركس بحنكته ودبلوماسيته  إدارة الصراع بين هذه الاتجاهات المختلفة والمتصارعة .

لقد ارتبط مفهوم ماركس للحزب الثوري في ظروفه الزمكانية وتغير مفهوم الحزب الثوري وطبيعته ومهامه منذ تشكيل الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وظهور الأممية الثانية (1889) وانتهاجها سياسة التوافق الطبقي والعمل النقابي وقضايا الدفاع عن الوطن والتخلي عن مفهوم ديكتاتورية البروليتاريا والتعويل على التحول السلمي البرلماني لتحقيق الاشتراكية.

  وقد جرى صراع فكري حول هذه القضايا بين الاصلاحيين والثوريين في داخل الأممية الثانية وتجلى ذلك في النقاشات التي جرت في المؤتمر الثاني للحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي 1903 بين مارتوف ولينين حول شروط العضوية والتي أدت إلى انشقاق الحزب إلى المناشفة والبلاشفة ومهدت   لولادة  الأممية الشيوعية الثالثة لاحقا عام 1919، وقد أظهرت النقاشات التي دارت في المؤتمر الفارق  بين المفهومين، حيث أراد لينين للحزب أن يكون منظمة قوية تضم رفاقا مناضلين لديهم واجبات وحقوق يتحملون أعباء النضال الطبقي ويساهمون في رسم وتطبيق سياسية الحزب ويدعمونه ماليا، بينما أراد مارتوف الارتباط المعنوي والاختيار الفردي للارتباط بالحزب من دون تحديد الالتزامات والواجبات وكذلك عدم تحديد الاشتراكات المالية، وهذه الشروط لا ترتقي حتى إلى عضوية الجمعية أو النادي الاجتماعي، وتجعل الحزب ناديا للثرثرة والنقاشات البيزنطية !!

إن الصراع حول مهام الحزب وعضويته وإيديولوجيته وسياسته ظل دائرا لعشرات السنين، وأدى إلى انشقاقات وخسائر بشرية ومعنوية كبيرة تتطلب منا اليوم الوقوف عندها ودراسة تجارب الحركة الشيوعية والعمالية والاستفادة منها وإيجاد الوسائل والطرق الجديدة في العمل في ظل العالم الافتراضي الرقمي الذي بات مؤثرا وفاعلا في كافة مجالات الحياة بما فيها حياة الحزب وعضويته وطبيعة عمله وأساليبه ووسائل كفاحه اليومي.

لذا شكلت النقاشات في أروقة المجلس السابع لحزبنا المنعقد في 24 شباط 2023 محطة هامة على طريق تطوير عمل الحزب ومعالجة إشكالاته وإيجاد طرق وأساليب وأشكال جديدة للعمل تتلاءم مع الواقع وتساعد على رفع مستوى العمل الحزبي وفق التحديات والمهام الراهنة.

وكان في  مقدمة القضايا التي عالجها المجلس الربط الجدلي بين العمل التنظيمي والفكري و التصدي للعمل الجماهيري وتوسيع دائرة الاحتجاج وأشكاله  وتجسير العلاقة مع الشبيبة والطلبة والمرأة وتغيير التركيبة العمرية والطبقية  للحزب، والعمل على تربية كوادر شبابية قادرة على قيادة العمل واعتماد وسائل التواصل والفضاء الرقمي في تنظيم وتحشيد الآلاف من الشبيبة والطلاب والنساء للمشاركة  في العمل الجماهيري والسياسي وتطوير التجارب الواعدة في مجال العلاقات والتبرعات الالكترونية وخلق حركة جماهيرية مؤازرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والفضاء الرقمي لتصبح ظاهرة عملية في الحياة الحزبية والسياسية على المد البعيد.

كما تضع التطورات التكنولوجية والمعلوماتية الهائلة التي أحدثتها العولمة أمام الشيوعيين واليساريين بشكل عام مهام جديد يتطلب التصدي لها واستعادة دور اليسار من خلال التقييم المتأني لتجاربنا النضالية بشكل شفاف لتجديد وسائل وطرق عملنا. وقد تميز الحزب الشيوعي العراقي عن باقي الاحزاب بتقييم جميع مراحل نضاله في الكونفرس الثاني 1956 وفي الكونفرس الثالث 1967 وفي المؤتمر الرابع 1985 والمؤتمر الخامس 1995 تم تقييم تجربة الكفاح المسلح، وقد عكست التقييمات تصورات العقل الجماعي وتقييمه الموضوعي لتجربة الحزب خلال العقود الماضية.

إن الحزب الشيوعي العراقي يناضل اليوم من أجل خلق تحالف واسع لقوى التغيير الديمقراطية المدنية والاجتماعية لتحقيق التغيير المنشود عبر العمل الواعي والمنظم لخوض حرب المواقع وربط الممارسة الثورية في الواقع الموضوعي وتجاوز القوالب القديمة واعتماد الأساليب والطرق الحديثة في العمل التي تمكنه من التصدي لمحاولة القوى المتنفذة لإشاعة اليأس والإحباط والعفوية والقدرية في صفوف الجماهير لاستمرار حكمها الطائفي المحاصصاتي.

عرض مقالات: