كتبت الرفيقة والمناضلة ندوة الصفار في صفحتها في الفيسبوك، معلّقةً على رحيل الفنانة المبدعة آزادوهي صومائيل تعليقاً جميلاً، وسردتْ أحداثا لم أسمعها من قبل، لذلك اتصلت بها وطلبت منها معلومات أكثر عن فنانة عظيمة ومبدعة تمتلك تاريخا نضاليا مطرّزا بالتضحيات ونكران الذات، فكان جواب العزيزة ندوة الصفار الآتي:
عزيزتي ماجدة الجبوري أرجو أن تكوني بأسعد حال واتمنى لك الموفقية والنجاح بعملك من أجل الاهتمام بقضايا المرأة. لقد طلبت مني بعض المعلومات والذكريات عن الفقيدة الفنانة المبدعة آزادوهي التي غيبها الموت جسداً، ولم تغِب روحها المرحة والشجاعة، والتي قدمت الكثير من أجل الدفاع عن حقوق المرأة وجسدتها من خلال أعمالها المسرحية وأدوارها المتميزة خاصةً في شخصية تماضر في مسرحية النخلة والجيران.
كنت متابعة لأعمالها وتمثيلها الرائع خاصة حين كنا نعيش في زهو وتوهّج وطني وسياسي وثقافي بعد ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨، ونتابع ونشاهد المسرحيات التي تعرض على قاعة الشعب في بغداد. أذكر منها مسرحية “آنى أمك يا شاكر” التي أبدعت آزادوهي في دورها، وكان لها تأثير مذهل على الناس.
وبعد الانقلاب المشؤوم في 8 شباط 1963 تم اعتقال وتصفية الآلاف من الشيوعيات والشيوعيين، وفي الأيام الأولى لاعتقالي ومجموعة من النساء تم اعتقالهن ايضاً، واودعنا جميعاً في زنزانات مركز شرطة الزوية في الكرادة الشرقية، أذكر منهن: مفيدة سعيد الطاهر وعائدة عسيلان وأخريات. وفي ما بعد التحقت بنا الدكتورة فريدة الماشطة وكثيرات غيرها. وكانت قاعة الحجز عبارة عن غرفة صغيرة لا تتجاوز مساحتها ٤٠ مترا مربعا، وأترك لك ان تتصوري الازدحام فيها، ومشكلة الحمامات والمرافق الصحية، مما اضطر الجلاوزة الى نقل قسم ممّن أخذت افادتهنّ، وتم نقلنا إلى سجن النساء في باب المعظم. وصلنا إلى السجن، وهناك قابلت آزادوهي لأول مرة وبالرغم من وضعنا المزري والازدحام والتعذيب والترهيب في السجن لكن معنوياتنا كانت عالية جداً، ولم ألاحظ ضعفا او انكساراً لدى أي واحدة من المعتقلات الشيوعيات.
في المساء قامت آزادوهي بتمثيل مقطع من مسرحية آنى أمك يا شاكر في السجن. كان أداؤها مذهلاً ورفع من معنوياتنا، وشحن فينا الصمود والصبر، وارتفعت أصواتنا بالهتافات الوطنية والشعر السياسي. وقتها لم أتمالك نفسي ذرفت دموع الفخر والاعتزاز برفيقاتي وبنفسي وبحزبي وقيمه العظيمة.
بعدها افترقنا. أنا خرجت من السجن، وعلمت بأن آزادوهي حكم عليها بالسجن لمدة سنتين وبعد انتهاء مدة الحكم أعيدت إلى الوظيفة عام 1968 كمعلمة في الرمادي، وبقيت حوالى عشر سنوات هناك، ثم عادت إلى بغداد في السبعينات، وأصبحت اللقاءات بيننا متباعدة ومتقطعة خاصةً بعد الهجمة الشرسة على الحزب في نهاية السبعينات، لكني كنت اتابعها وأشاهد المسرحيات التي تشترك في تمثيلها وخصوصا مع فرقة المسرح الفني الحديث. وبعد سقوط النظام في 2003 عادت الصلة والتزاور بيننا، لكن الحرب والمد الطائفي فرقتنا مرة أخرى. انا هُجّرت من بيتي وسكنت في منطقة زيونة، وآزادوهي سكنت في منطقة الغدير. التقينا مرات قليلة ومتفاوتة. بعدها هي تركت بغداد وذهبت إلى كردستان، ومن ثم علمت من بنت أخيها أنها هاجرت إلى يرفان في أرمينيا، وماتت هناك بعيدة عن بغداد التي أحبتها وعن بيتها، وعن كل النساء اللواتي عملت ودافعت عنهنّ، لكي يعشن في أمان وسلام.
صديقتي ورفيقتي الغالية آزادوهي في عيد المرأة العالمي أستذكرك وأهديكِ أجملَ الورود واعطرها لك ولجميع نساء بلادي.