اخر الاخبار

قدم ماركس في المخطوطات الاقتصادية والفلسفية لعام 1844، شرحا تفصيليا لكيفية سيطرة الرأسماليين على الملكية الخاصة، وأوصلنا معه الى ان العمل «ينتج الذكاء» لكنه يقدم «للعامل الغباء والحماقة». فقفز الى أذهاننا سؤال عن: كيف إذن يتمكن العامل وهو «ضحية» النظام الرأسمالي من الخروج من هذا المأزق، خصوصا وان ماركس يؤكد على عدم إمكانية التغلب عليه عن طريق الدين أو الأفكار المستنيرة أو حتى الإصلاحات الجوهرية، لأن المجتمع انقسم إلى معسكرين متخاصمين، فما يفيد الرأسماليين سيسبب بالضرورة خسائر فادحة للعمال، حتى انه يذهب إلى حد القول بأن «زيادة الأجور لن تكون بالتالي سوى أجر أفضل للعبد ولن تمنح العامل مكانته وكرامته الإنسانية».

إذن ما هو حله؟

في قسم بعنوان «الملكية الخاصة والشيوعية»، يعرّف ماركس نفسه للمرة الأولى بأنه شيوعي.

بدأ هذا القسم بانتقاد لا يرحم للأفكار التي اعتبرها قاصرة، بما في ذلك، جميع التصورات الأخرى التي كانت سائدة آنذاك عن الشيوعية. وهذا الانتقاد بحاجة الى تفصيلات لا يسمح حيز المقالة بالدخول فيها، وسأتركها الى مناسبة أخرى، لكن المهم هنا انه رأى في جميع أصحاب هذه التصورات سعيا في الطريق الى شيء ما، وأنه في حال ارتباطهم بشكل صحيح بقوة اجتماعية صاعدة، فإن «الشيوعية هي لغز التاريخ الذي تم حله».

من حيث الأساس، يمكننا القول بأن اختلاف ماركس مع جميع المؤلفين الشيوعيين السابقين (والفلاسفة الهيغليين الشباب) هو أنهم ركزوا على محاولة تغيير عقول الناس بقوة الجدل أو من خلال وضع خطط لمدينة فاضلة مستقبلية. أنهم لا يزالون عالقين في دائرة النقاش. فيكتب:

«سنرى كيف ان الذاتي والموضوعي، الروحاني والمادي، النشاط والمعاناة، تفقد طابعها المتناقض، وبالتالي [تفقد] وجودها باعتبار أنها متناقضة فقط في إطار المجتمع. سنرى كيف ان حل التناقضات النظرية ليس ممكنا إلا بطريقة عملية، بفضل طاقة الإنسان العملية. لذا فأن حلها ليس مجرد مشكلة في الفهم، بل مشكلة حقيقية للحياة لم تستطع الفلسفة حلها لأنها نظرت اليها تحديدا على إنها مشكلة نظرية».

بعد ذلك بقليل، لخص ماركس كل هذا بعبارة ذكية مميزة: «لكي نلغي فكرة الملكية الخاصة، فإن فكرة الشيوعية كافية تماما. بيد ان الأمر يتطلب فعلا شيوعيا واقعيا لإلغاء الملكية الخاصة الواقعية».

دفعته هذه الدعوة لفعل واقعي الى قطع صلاته مع معظم من تعاون معهم سابقا. وبعد ان وصف ماركس عمال باريس ربما بطريقة رومانسية بعض الشيء قائلا «ان نبل الإنسان يضيء علينا من أجسادهم المتعبة» تأكد أصدقاؤه من الهيغليين الشباب أنه لم يعد يؤمن بأن هذه المهمة تعود الى المثقفين.

وقد ترسخ هذا الإيمان خصوصا في أعقاب إضراب عمال النسيج في ألمانيا عام 1844، ولكن علينا الانتباه الى ان ماركس في المخطوطات يصف تأثير الرأسمالية على العامل الفردي بشكل عام، ولا يقدم، حتى الآن، سوى فكرة الثورة الشيوعية بمصطلحات مجردة. من الواضح أنه يتلمس طريقه لربط أفكاره بالعمل السياسي الواقعي، وانه لا يزال يحاول توضيح أفكاره الخاصة وتسوية الحسابات مع مثالية هيغل (التي يرفضها) ومفهومه عن الديالكتيك (الذي يريد استخدامه بطريقة جديدة). وهكذا، فهو يتأرجح بين تصور العمال كضحايا «بائسين» للرأسمالية وممثلين «نبلاء» لمجتمع المستقبل.

الجزء الأخير من المخطوطات الذي حمل عنوان «نقد الديالكتيك الهيغلي وفلسفته ككل» يمثل تحديا كبيرا عند قراءته، لأن ماركس منخرط في نقد تفصيلي لمؤلف هيغل فينومينولوجيا الروح، مستعينا بفيورباخ ونقده المادي للدين والفلسفة كنقطة انطلاق له. أقول تحديا لان ماركس نفسه يحذرنا من أن هيغل غالبا ما يكون «غريبا وغامضا»، مما يجعل أتباعه عرضة لـ «صداع رهيب».

ولكيلا يصيبنا هذا الصداع لنركز على بعض الجواهر التي ستساعدنا على رؤية أفضل لتفكير ماركس. على سبيل المثال، كتب ماركس أن هيغل «وجد التعبير [الفلسفي] المجرد، المنطقي، والتأملي لحركة التاريخ، الذي لم يصبح بعد التاريخ الحقيقي للإنسان».

هذا تفسير جيد جدا لسبب إعجاب ماركس بهيغل. فعلى الرغم من أن الأخير لا يزال عالقا في رؤية التاريخ على أنه «تجسيد، تموضع» لعقل الله، إلا أنه توصل إلى فكرة «حركة التاريخ». وأنها حركة تقوم على الصراع والتحول، التفكيك وإعادة التشكيل. كما يقول ماركس، «إن الإنجاز الرائع لفلسفة هيغل ... [هو] ديالكتيك النفي [السلب] كقوة متحركة ومبدأ توليد».

الجوهرة الأخرى تتمثل في ان هيغل يرى أن العمل قوة مركزية في تاريخ البشرية، لكنه يعترف فقط بنوع معين من العمل، أي العمل الذهني المجرد. مع ذلك، تسمح هذه الرؤية لهيغل بأن يكون رائدا في تصور الاغتراب الذي «على الرغم من أنه يظهر كعقل فقط، إلا جميع عناصر النقد، التي تم إعدادها وتطويرها بالفعل بطريقة غالبا ما تتجاوز وجهة النظر الهيغلية، تكمن فيه».

كل هذا يجعل من السهل معرفة سبب بقاء المخطوطات كمقالات ملهمة ومثيرة للجدل لعدة أجيال من الثوار. تنقطع المخطوطات، فقد وصلتنا ناقصة، لكننا سنرى كيف يستلهم ماركس العديد من الأفكار التي بدأ العمل بها هنا (الاغتراب، الشيوعية، الديالكتيك، إلخ) ويطبقها على العمل السياسي الملموس والتطورات الاقتصادية.

عرض مقالات: