اخر الاخبار

يعيش العراق أجواءً كرنفالية، تمهيدا لاستقبال البابا فرنسيس الى بلادنا التي تحاول طيّ آخر صفحات التناحر الطائفي او الديني، في ظل توجهات مجتمعية حقيقية، لاستثمار الزيارة لتكون دافعا مضافا لخطوات مؤسساتنا الثقافية والمدنية في ترسيخ قيم التعايش، بعد العمل الجاد لوزارة الثقافة على تفعيل هذا الحقل الانساني والمعرفي بتأسيس قسم معني بالتنوع ضمن خطط مستقبلية تتبنى آليات تجسير العلاقات مع المنظمات المدنية والمراكز البحثية، المعنية بالتنوع والتعايش عراقيا وعربيا وعالميا؛ حيث اخذت على عاتقها رسم استراتيجيات النهوض بواقع العمل المؤسساتي الذي يركز على البحوث والمشاريع التي تمنح العراق خصوصية وجمالية التنوع الديني والعرقي، بما يضفي بعدا مجتمعيا رافضا لكل اشكال التعصب والتطرف.

وتأتي زيارة الحبر الاعظم متزامنة مع توجهات حثيثة للارتقاء بعمل المؤسسات البحثية والثقافية والسياحية، الراعية لتوجهات الدولة العراقية، في فتح أفق التعاون مع الجامعات والسفارات ومختلف القنوات الدولية، التي تدعم تفعيل آليات انجاح رؤية وزارة الثقافة العراقية، التي تتجه لتوثيق هذه الزيارة، بما يجعلها خطوة انطلاق لفعل جماهيري وحكومي مشترك، يضع العراق ضمن الدول المستثمرة في مجال السياحة الدينية، في ظل عمل دؤوب من هيئة السياحة وهيئة الاثار والتراث، لإعادة اعمار الكنائس والاديرة الاثرية مع عقد اجتماعات والتمهيد لتوقيع بروتكولات عمل مع منظمات دولية، لترميم المواقع الاثرية والحضارية التي تعد مصدرا مهما ومضافا لإيرادات البلد الذي يمر بظروف اقتصادية صعبة، تتطلب توجها حثيثا لتعظيم الموارد باستثمار السياحة الدينية والثقافية، التي مرت لسنوات بشيء من الاهمال، ولنقلْ نوع من التجاهل، نتيجة لما حصل من انفلات امني او فوضى او احتراب طائفي، لم يمنح المؤسسات الثقافية والسياحية فرصة الاهتمام والاعمار.

وبعد ان كان الاعتماد الاول للدولة على مبيعات النفط ومنتجاته لتمويل خزيناتها، نجد أنفسنا اليوم ازاء مسؤولية وطنية واخلاقية، تتطلب من الجميع استنفار الطاقات المنتجة والعمل على حملة وطنية كبرى، تساهم فيها الشركات الاستثمارية والصناعية المحلية ومنظمات المجتمع المدني والوزارات من مختلف الاختصاصات، لتفعيل السياحة الدينية مع التأكيد على آليات التثقيف المجتمعي والتربوي لترسيخ قيم التعايش الذي لا بدّ له ان يخرج من نطاق الشعارات والتصريحات الشفاهية للعمل الموضوعي والواقعي، لإشعار ابناء الاقليات انهم ابناء بلد من الدرجة الاولى. ولا يمكن التغافل عن دورهم الفاعل في بناء وطنهم مع اخوانهم من شركائهم في الارض والمصير والماضي والمستقبل.

ولا بدّ ان يعضّد ذلك بإنتاج تشريعات داعمة تمنح ابناء الاقليات حرية ممارسة الطقوس وتمنحهم فرصة المشاركة الحقيقية في المناصب القيادية، وتمثيل مكوناتهم في مفاصل الدولة مع آليات اخرى تضمن تمكينهم من تحقيق ذواتهم في بلدهم الذي يعاني نزيف هجرة ابناء الديانات غير المسلمة، من بلد يعد احد بلدان التنوع الزاخر، والذي لا بد له ان يكون ملمحاً من ملامح القوة والرفعة وركيزة من ركائز الامان المجتمعي الذي تسعى لتحقيقه زيارة قداسة البابا، وهذا ما يجعل من أول اهداف زيارته رعاية مسيحيي الشرق، في ظل تصاعد وتيرة العنف الذي يتعرضون له في بلدانهم، وتحمل ايضا رسالة تضامن انسانية لتوجهات المجتمع العراقي الذي يؤكد على هويته العراقية الجامعة وهي الضمان في تحقيق الاستقرار الذي سيؤمن النجاح الاقتصادي والرخاء المجتمعي.

ـــــــــــــــــــــــــ

* وكيل وزارة الثقافة

عرض مقالات: