اخر الاخبار

من غير المألوف ان يتلقى الحزب رسائل او آراء من خارج التنظيم، وان حصل فانه من باب الاستثناء وليس القاعدة، ولعل ما يسعفنا في هذه المحاولة هو ذات الحوافز الدافعة من وطنية وديمقراطية وبماض يسمح او يؤهل من مثل هذا الطرح نظرا للمرحلة المفصلية بعد ان اعلنت المحاصصة الطائفية والعنصرية افلاسها وفي موتها السريري، ولذا نتداعى للمساهمة في عملية انقاذ وطني لها مسوغاتها على عاتق كل من هو خارج مثلث التحاصص الذي يهدد مستقبل البلاد.

ولا اجدني مبالغا ان الحزب الشيوعي هو عراب الوطنية العراقية وعاهلها الاوحد حتى الآن منذ بواكيرها بعد ثورة العشرين التي تحولت ادواتها من دينية منكفئة الى عشائرية مشاركة ونخب توزعت بين مرجعية عثمانية او بريطانية، وكان الحزب المتصدي لكل ما افرزته التشكيلة غير المتجانسة التي كانت توحدها ضرورات الحرب الباردة وتحديات ثقافة الحزب ضدها الوطنية، حيث كانت هذه الثقافة لها أستاذ واحد حتى الآن.

لا شك ان الاحتضار الحالي بانسداداته وفشله وفساده، سواء تشكيله القديم او الجديد لم يحسم امره، بثوابت وبرامج تسود القاعدة العريضة من المجتمع العراقي حيث توزعت عموديا من خلال الهويات الفرعية سيما بعد 2003، اللهم سوى الروح المطلبية تعبيرا عن نقص الخدمات والبطالة وجداول الفقر. ومع ذلك كانت محددة في أحد اضلاع المثلث لتدفع وحدها تقريبا الدماء اي منطقة البيت الشيعي، ولم نلمس تعاطفا حاسما من الضلعين الشقيقين للأخ الاكبر كما يزعم. مما يعني حتما ان الهويات الفرعية كانت ولا زالت هي ايديولوجيات النخب السياسية الفاعلة برلمانيا وما يترتب من تقاسم.

تكمن الازمة تحديدا في حقيقة ان القديم يحتضر وان الجديد لا يمكن ان يولد، وفي هذه الفترة التي تفصل بين نظامين يظهر عدد هائل من الاعراض المرضية. هذا ما يقوله ا. غرامشي.

لعل أبرز هذه الامراض هو غياب واضح للوحدة الوطنية افقيا التي هي الغاية والوسيلة بآن واحد. وبصراحة قد تكون محرجة للذي يناله العتب هي وحدة الحزب الشيوعي التي هي الحبل المتين الذي هو الوحيد من يرتبط به العراقيين بجميع هوياتهم.

من هنا فقط نضع حجر اساس بعد تشرذمات قبل وبعد 2003، كما انه لا يوجد لحد هذه اللحظة من لديه حزب يحتوي عراقيي الهوية اولا الا الحزب الشيوعي، ولذلك اصيبت الحركة الوطنية بالعقم بعد انقسامه اثنيا، ولذلك لم تنفع او تدفع للأمام تحالفات ما بعد 2003. اذن شرط الحركة الوطنية هو وحدة الحزب لان الامية في الوطنية عادت لصالح الهويات الفرعية تدعمها أمية القراءة والكتابة وهنا دور الاستاذ والعراب.

هذه بصراحة الخطوة الاولى للألف ميل. بدونها تبقى المراوحة والعقم وهيمنة الشعبوية بزخمها الحالي. وبقاء الحزب منقسما وبدون مسوغ الانحراف لأي من الحزبين، أمر لا يمكن الدفاع عنه.

اما الخطوة الثانية لألف ميل العراق وعراقيته التاريخية كبلد واحد كما اقتضت جغرافيته وتاريخه ووطنية مجتمعه بثقافة وطنية غير شوفينية كما كرسها الحزب بعربه واكراده وسائر الهويات التي كان دورها أكبر من حجمها في الوطنية. وهذه الثقافة هي التي تتجدد بفضل حزب فهد وسلام عادل. لتأتي الخطوة الثانية بتحالف ابناء واحفاد هذه الثقافة شرطا، وليس مجرد نخب استنفذت نفسها بأداء بروتكولي وكان التراجع حصادا، فالعراقية لا تعني شعارا فقط وأنتم يا رفاق اعلم مني بما قصدت. فالمثلث التحاصصي قائم كونه تمأسس وفق مصالح مالية شخصية وزبائنية وهذه الأموال هي من حساب الفساد لدرجة لا نحتاج لأدلة اذ باتت فاقعه، اذن هذا هو النقيض الاساس. اما الشعبوية التي تتفاقم من خلال غياب الثقافة الوطنية عموما والبطالة بكل تجلياتها والتي تفرز بروليتاريا رثه عادة، كونها لا تنتمي لأي قطاع زراعي او صناعي او تجاري ليكون سلاحها الاضراب، وهنا الخطورة واساسيات التعاطي والمعالجة اذ باتت شرائح البطالة هي التي تتسابق في الشارع سياسيا ولها ساستها بثقل نوعي مشهود رغم هشاشة ثقافتها الوطنية اذ تتوزع من الفرعية كزبائن او مناطقية او مذهبية، ووحدتها مرتبطة بكارزمية كل فصيل من فصائلها. لذلك الرهان ليس سهلا رغم اهميته الحاسمة، وتنخفض هذه الاهمية عكسيا عندما يكون الاستاذ عاهلا قائدا مستعيدا لوحدته متدرعا بقوى الوطنية العراقية غير الشوفينية ذات الابعاد الاقليمية حيث تجربتنا معها لا تسعف ولا تغني لضآلة هذا الفصيل شعبيا.

في ضوء ما تقدم علينا التجدد والتفهم للسياسة الدولية والإقليمية في ظل تداعيات الحرب الأوكرانية، حيث سيدخل ربما الشرق الاوسط في ضوء ذلك في سايكس بيكو ثانية ربما تتجسد بعد زيارة بايدن، نحتاج موقف عراقي خارج الإطار الرسمي موجه للعراقيين من زاخو الى الفاو كعامل موحد امام تحديات وانقسامات حيث يجهز مثلث المحاصصة للتعاطي مستجيبا نظرا لهشاشته الداخلية، وتعلن التنمية المستدامة شعارا مركزيا بكل تفاصيلها في القطاعات الثلاثة كأمل وحيد لمواجهة البطالة والفقر وهشاشة الشرعية القائمة.  اما ادوات ذلك فهم شباب تشرين غير المدجنين سياسيا بقناعات مسبقة ليصبحوا طليعة هذه المعركة.

علينا ان نتذكر دوما ان البروفة السوفيتية كانت ولا زالت غنيه قبل ان تغتالها البيروقراطية المتكلسة المتمأسسة، والتي مرغت انفها في الصين الثورة الثقافية رغم سلبياتها، فالبيروقراطية طفيلي ينمو اذ لم يكافح كما الادغال، ولكن لا يعني هدم المعبد، فسور الصين لم يهدمه اهله بعد غزو المغول ليبقى رمزا للوطنية وحدودها التاريخية، فمن خلال تجربتنا الوطنية فشهداؤنا هم سور العراق الذي يمنع من خلال تظافر قواه الوطنية والتقدمية والوطنية بأدوات تحتاج مراجعات في الأداء والاستجابة والشفافية كون النقيض لا يجيد غير المؤامرة. فإعادة انتاج جبهات الحرب الباردة او ما بعدها رغم بعضا نتائجها الا أنها غير مشجعة في ضوء ذلك، فالابتكار والتجديد يحتاج ادواته الموضوعية والذاتية بشكل متكافئ مع روح الابتكار والابداع والتألق، اذ المهم ان تأكل القطة الفئران بغض النظر عن لونها. وما يقتضي ذلك عادة من تنوع التحالفات مرتكزين على وحدة المبادئ المركزية وادواتها بفهم دقيق بجهد ثقافي نوعي متميز حسب المرحلة وليس الولاء التقليدي الذي يفرغ من محتواه مع تقادم الاجيال، إذا لم يتجدد وتصان اسواره بآخر مستجدات ثقافية يسارية غير طفولية او يمينية تتغنى.

يقال عادة المحب يحترق قلبه ويعتب لان العدو يتوغل من خارج الحدود ومن أذرعه لهدم سورنا الذي لا يبنيه او يصونه غير أبناء زاخو والفاو. حيث السياقات والادوات القديمة تحدد صلاحيتها النتائج التي تتناسب مع عاهل وعراب وقائد في أحلك مرحلة في تاريخنا محليا واقليميا ودوليا، والادوات الرسمية لازالت وستبقى في تحالفاتها الثلاثية التي لا يسع أي منهم ان يضع للعراق اولوية على انتمائه الفرعي حيث يأتي العراق ثانيا كبئر نفط وهم سدنته في جدول اهتماماته وخططه.

فالمتحاصصون برلمانيا هم الضد النوعي الآن مبدئيا، والضد غير النوعي من ادعى المعارضة وهؤلاء يحتاجون دعما لإدامة معارضتهم اذ لها نتيجتان تكتيكيتان اضعاف الطرف الآخر وتعزيز العلاقة معهم فقط من خلال تشرين، وكقاعدة مشتركة كانت حصتنا فورثوها والآن فاعلين وطنيا ، اما الاطراف المقابلة في كردستان فموضوعهم ربما اشد حساسية فتاريخ علاقتهم مع الحزب ليس مبعث فخر ولا اصحاب الموقف آنذاك غير نادمين،  فباسم الفدرلة حصلت تجاوزات على الأم العراقية، وهم لا يفرقون كثيرا عن شركائهم العرب بطرفيهم،  الخطوة الجريئة ان يعاملوا مثلهم قولا وعملا في طليعته وحدة الحزب لتأسيس علاقة برغماتية معهم وفق مبدأ الحزب (الحكم الذاتي لكردستان والديمقراطية للعراق) خصوصا وان التحرك الان من خلال التيار الديمقراطي، نعم كلفة كبيرة ولكن الاكبر في التغير النوعي محليا واقليميا ودوليا، ليصبح الامر ربما سكوت الرضا.

لا يفوتنا ان نتذكر دائما لا توجد اي برامج او خطط اقتصادية او سياسية نظرية او عملية لدى المتحاصصين عراقية او مناطقية كونهم يخططون فقط لخطف الكعكة. ان خطة عراقية الابعاد وعملية في التنفيذ امتياز للحزب فقط. كما ان اغلب الحلفاء الحاليين يفتقرون لذلك من حيث الموقف الاقتصادي والمالي والنقدي، فعلى الاقل ينبغي موقفا موحدا اقتصاديا عموما من النفط الى جميع مستلزمات التنمية المستدامة لجميع قوى الخير العراقية، لان الضد النوعي والشعبوي ليس لديهم اي تصور لغدا، وهذا ركن معزز لوحدتنا الوطنية وللحزب كأحد أبرز المواقف. كما ان المرجعيات الدينية باتت متمأسسة اقتصاديا وتذود عن ذلك (كاقتصاد مواز) لا تحبذ الاشارة له لكي لا تصطدم سياسيا أي انحسر دورها الشعبوي لصالح غيرها.

في الختام يا قادة الوطنية الحقة أعرب عن الاعتذار ان كنت متطفلا او لم آت بما يتناسب مع الخطوط العريضة كوني اهتممت بالنتائج أكثر. كمراقب منحاز لكم. لأقول لا يكفي ان نكون شرفاء كعائله بل مع الايام ينخفض البيدر لنعززه..

احتراماتي.

عرض مقالات: