اخر الاخبار

عاش الشهداء الشيوعيون حياة قصيرة، ولكن ملؤها العطاء والتضحية، وبهذا استمروا بالعيش بيننا عبر الأجيال.  إذ كانت كل سلطات الإرهاب المتعاقبة على العراق تطاردهم، وتهدر حياتهم لا لسبب، سوى أنهم يناضلون من أجل سعادة شعبهم.

دون التاريخ تضحياتهم، ورغم ذلك، فأن هنالك العديد منهم مازالوا منسيين، كما لا يوجد لبعضهم حتى صورة. 

الشهيد عواد

ومن بين مواكب شهداء الحزب الشهيد عواد.....، (مع الأسف لا اتذكر اسم والده أو كنيته) وهو كاسب بسيط، كان يجلس معنا في إحدى مقاهي (الشركة) في الثورة، مستمعا لنا نحن (الطلبة وعدد من الأدباء) ولم يتغير موقفنا منه بعد دخوله سلك الشرطة، كان يستمع لنا ويسحره ماذا نقول. ولم نعرف أيا منا كسبه للحزب، رغم خطورة الأمر (إذ يحكم بالإعدام على كل عسكري ينتمي لأي حزب غير حزب البعث).

مرة حكم على (عواد) بسبب حادثة مرورية، وزج به في سجن (أبو غريب) لمدة قصيرة، فذهبنا لزيارته هنالك، وكان عواد أكثرنا ضحكا وسخرية من (السوق) الذي افتتحه السجناء في باحة السجن، لأنهم كان (يتاجرون) بأشياء تعد من سقط المتاع بالإضافة الى بعض المشغولات اليدوية من صنعهم.

 ولم يدر يوما انه سيعاد ثانية للسجن ولكن في الجناح الاخر، قسم الاحكام الثقيلة، ويعدم هنالك وتنتهي ضحكة هذا الوجه الأليف، ومازالت المرارة تلاحق جميع الذين عايشوا هذا الإنسان الطيب الشهم.

الشهيد علي جازع الصافي

يعد علي جازع الصافي، واحدا من العديد من شهداء الحزب الذين طواهم النسيان، وربما أن الكثير من مجاليهم غادروا دنيانا، أو تشردوا في المنافي والبعض الأخر أسكتته الظروف ولم يعد يتذكر رفيق الأمس.

كان الصافي من الوجوه البارزة في ثانوية قتيبة في أواخر الستينات. ويعد فوز اتحاد الطلبة في انتخابات 1969، ارتفاعا لنجم هذا الثانوية وطلابها، إذ أصبحت بحق (قلعة الشيوعيين) باعتراف السلطة نفسها. ولكن ضريبة هذا النجاح الباهر الذي أرعب أزلام السلطة، أن تعرض العديد من الطلبة إلى الاعتقال والفصل والمطاردة وكذلك الضرب من عصابات (الاتحاد الوطني)، وكانت حصة الأسد للشهيد علي جازع من الضرب. مما أجبرنا ان نذهب الى المدرسة ونخرج جماعات كي لا ينفرد الفاشيون بأحدنا.

 وانقطعت عنا أخبار هذا الرجل الشجاع الذي كان يدس لنا في جيوبنا (طريق الشعب) السرية بسرعة البرق مع وصية في حالة عدم توزيعها، هي احراقها بسرعة.

مرة قام أحد الأصدقاء بتعريفه على الفنان كوكب حمزة فهو يكاد أن يكون التوأم له، ورجع الصديق من جلسة التعارف وقال لي ضاحكا: لقد استلم الصافي كوكب حمزة بالحديث عن السياسة واختلفا كثيرا، ولم ينتبه (التوأمان) للشبه الكبير بينهما. 

وجاء المنفى وضاعت أخبار الصافي، ولكنه عاد الينا في وثيقة مديرية أمن بغداد والقاضية بإعدام 167 شيوعيا ومن ضمنهم علي جازع الصافي وكان تسلسله 33. والحقيقة أن اكثرهم مات بأقبية التعذيب ولم يعثر على جثثهم. وبهذا فقدت(الثورة) واحدا من أخلص ابنائها البررة. وفقد الشعب كوكبا لامعا في سماء النضال.

الشهيد زامل فرحان علي

هو الأخر كان ضمن شهداء قائمة مديرية أمن بغداد وتسلسله 153، جمعنا المتنزه في الجوادر قرب المستشفى العام، حيث كنا نطالع كتبنا المدرسية بعيدا عن زحمة بيوتنا الضيقة، ونلعب كرة القدم في العطل في المساحات الفارغة حول ساحة (فيوري) المخصصة للفرق المحترفة. وكثيرا ما كان لعبنا يتوقف بسبب ثقب كرتنا المطاطية التي نشتريها (150) فلسا وهو مبلغ نجمعه من اللاعبين، وكانت أكثرية الثقوب يحدثها الإبهام الضخم لزامل فرحان، فجميعنا نلعب حفاة، ونكوّن من (النعل) مرمى الهدف. ولكننا لا نحمل فرحان مسؤولية ما يحدث، ف (كرتنا) العتيدة أجلا ام عاجلا ستثقب.

ومرة أسسنا فريق الصداقة وهو مرتبط باتحاد الشبيبة الديمقراطي، ولكن فريقنا حصل على هزائم منكرة على يد الفرق المحترفة، لكوننا لا نتمرن، وأغلبنا من المدخنين ونتعب بسرعة من الجري. وكان قرارنا هو أن نرجع للعب كرة القدم كهواة، وإلى المطالعة والنقاشات السياسية التي أدت ب (زامل) وخصوصا بعد قبوله في معهد أو كلية لا أعرفها في الموصل، أن ينتمي إلى الحزب.

 كان الشهيد زامل يميل كثيرا إلى الهدوء والصمت، ولا يتدخل في معاركنا وخلافاتنا نحن الذي نصغره، ولكنه كان يود الجميع ويعد بحق حمامة سلام.

ولا نعرف أي جلاد اغتصب حياة هذا الانسان الوديع في أقبية التعذيب، تاركا في قلوبنا حسرة إلى تلك الأيام وبراءتها.

فسلام عليكم يا شهداءنا الأبرار

عرض مقالات: