اخر الاخبار

تمرّ علينا هذه الأيام الذكرى السنوية لرحيل الأديب الفقيد شمران الياسري (أبو گاطع) صاحب أكثر الكتابات التي لامست هم الوطن والمواطن من خلال رباعيته الروائية التي كتبها بلغته الثالثة المعتمدة على (الحسچة)، والتي تركت أثراً بالغاً في نفوس أغلب أبناء الشعب العراقي ممن اطلعوا على تلك الرباعية. ففي رباعيته الروائية رسم شمران الياسري شخوصه من عمق الريف المداف بالحزن والقهر والشجن الجنوبي الذي تعرّق به، حين داهمته (انفلونزا النضال ) التي لم تغادره حتى وفاته، ورتب احداثه وفق حقائق عاشها او سمعها من المحيطين به، لذلك فهو ومن خلال ما يروي، كانت منظومة بثـّه مقنعة جداً، ولفرط بساطة اللغة التي يدوّن من خلالها، استطاع سحب متلقيه الى درجة الحرص على المتابعة وتحليل كل ما يصدر عن تلك المنظومة الخلاقة لكل ما له مساس مباشر بالمواطن، ولعل قناعاته الحكائية الموحية اكثر من مباشرتها، جعلت الادباء العراقيين يصغون له قرائياً، وقد اقرّ لي اكثر من صديق جايل شمران، بانهم كانوا يستمعون له، لانهم حين يقرؤون ما يكتب من سرد يشعرون بان المفردات تنطق بصوته الجنوبي. شمران الياسري وبعيداً عن كونه الشيوعي المتمسك بمبادئ واخلاق  لا تتواجد لدى الانتماءات الاخرى، كان قادراً على سدّ كل فراغ يمكن ان يظهر في مساحة روي الحدث الآني، فهو الاعلامي المتصيد لكل سحابة سوداء تغفلها الاعين الاخرى، وهو القابض ابداً على مشكلات ناسه الذين ينتمي اليهم، كونه عاش اشتراكياً بالفطرة التي مزجت بوعي جاء من قراءاته، خصوصاً تلك القراءات المتعلقة بالتطبيقات الماركسية التي تنصب بمجملها لصالح الفقراء والمساكين والمعدمين، وبهذا كانت له الريادة في دفع منطقة الروي باللهجة الدارجة الى مصاف الادب الرفيع، بعد ان كان البعض يرى فيها نوعاً من انواع الادب الشعبي البسيط، وتلك الريادة لم تأت من فراغ، بل ان الرجل وجد فيها منظومة البث الوحيدة القادرة على اقناع الانسان البسيط والانسان المثقف الواعي لما يدور حوله، وقد حاول فيما بعد الكثير من الادباء التوجه الى منطقة كتابة شمران الياسري، لكنهم لم يستطيعوا الخوض فيها بمستوى ما كان يقدمه شمران من سحر حلال يؤثر في المتلقي، مع احترامي الكامل لجميع التجارب التي ننحني لها اجلالاً، كونها جهدا نقدسه ونحترمه. هذه الايام ومع ذكرى وفاته ينبغي على كل من عشق شمران الياسري، انسانا ومناضلا ومثقفا واعيا، ان يقيم له كرنفال وفاء، تقديراً للمنجز الابداعي الذي قدمه لنا هذا الثائر الكبير، وعلينا ان نقتفي اثر نجاحاته في الايصال والتوصيل، علنا نعثر على نوع آخر من السحر الحلال الذي امتلكته منظومة بث شمران الياسري.

عرض مقالات: