اخر الاخبار

فيما تشتد أزمة منظومة الحكم سعة وعمقاً، وتشهد بلادنا تطورات دراماتيكية، سيئة على الأغلب، جراء حالة الانسداد السياسي الناتجة عن فشل منهج المحاصصة، وتواصل هيمنة أقلية حامية للفساد والمفسدين على السلطة، إضافة الى البطالة وارتفاع معدلات الفقر والتخلف المريع في الجوانب الرئيسية في حياة المجتمع، كالتعليم والصحة والسياسة الثقافية، وغياب الخدمات الأساسية، كالكهرباء والماء الصالح للشرب ومنظومات الصرف الصحي، وانتشار النفايات وتحول الطرق الى سبب لموت الآلاف، وغياب أية معالجات جادة لمشاكل التصحر والجفاف، التي أطاحت بالزراعة وتكاد تقضي على العراقيين ظمأً، والتخريب المتعمد للإنتاج الصناعي، يصبح التغيير الشامل لمنظومة الحكم، مطلباً وطنياً عاماً، لا تتبناه قوى التغيير وشبيبة تشرين الباسلة فحسب، بل وجميع العراقيين.

وإذا كان هذا الحلم، ولأكثر من عقد من السنين، نتاجاً لقيام القوى المتنفذة، بوأد طموحات الشعب المشروعة وتطلعاته في حياة كريمة، فقد صار اليوم ضرورة وطنية ملحّة، جراء صراع المتنفذين على السلطة والثروة والمصالح والامتيازات غير المشروعة، وتشبثهم بنهج المحاصصة الفاشل، وخشيتهم من تشكيل حكومة ذات مصداقية، تحاسب الفاسدين وتعيد أموال العراق وتحمي سيادته وأمنه، حكومة تنبثق عن انتخابات نزيهة، بإشراف الأمم المتحدة، وعلى ضوء قانون عصري للانتخابات، تُضمن فيه الفاعلية لكل صوت عراقي، وتطبيق جاد لقانون الأحزاب، الذي يمنع أصحاب السلاح المنفلت من المشاركة في النظام السياسي، لأنهم ببساطة خارج القانون والدستور، ويُبعد أو يُحّجم على الأقل، تأثير المال السياسي، ويمنع عبث الأيدي الأجنبية في مصير البلاد ومستقبلها السياسي.

ويرتبط تحقيق هذا الحلم، الذي يكمن في ضمير الأغلبية الصامتة، بمدى استعدادها للتحرك، ورفع صوتها، دفاعاً عن وطنها وحقها فيه وفي خيراته، لاسيما وإن المخاطر الجدية التي تواجه البلاد والعباد اليوم، تجعل من الحياد، بين جموع المتنفذين وبين قوى التغيير، سلبية غير معقولة.

إن استعادة حرية العراق واستقلاله وسعادة شعبه، والتحول الى مجتمع ديمقراطي يحتكم لسيادة القانون وحقوق الإنسان، معركة وطنية، تتطلب مشاركة كل المؤمنين بالهوية الوطنية الجامعة، من طلائع سياسية وفكرية وثقافية، وأحزاب وحراك شعبي ونقابات ومنظمات مجتمع مدني، مشاركة لا تخضع لأمزجة أفراد أو أهداف جماعات أو أجندة أجنبية، بل تتبنى الولاء للوطن، قولاً وفعلاً، وتنبذ أي استقطاب حزبي أو طائفي أو قومي أو قبلي أو مناطقي.

إن الجميع مدعوون اليوم للتحرك السلمي، من أجل الضغط على الأقلية المتنفذة، وإلزامها بالاستجابة الفورية للمطلب الشعبي الرئيسي بالتغيير الشامل، فلا يمكن بعد كل هذا العذاب العصي على الوصف، الوقوف على الحياد، وقراءة التعاويذ والتلاعب بمفردات مستهلكة.

إن وجود قوى التغيير، كبديل لقوى المحاصصة، جعل الدرب واضحاً تماماً، درب تشكيل حكومة مستقلة، من الأكاديميين وذوي الاختصاص، تنجز مهام الفترة الانتقالية، وتسلم السلطة لحكومة منتخبة، وتعمل على بناء عراق ديمقراطي فيدرالي، خال من الفساد والمحاصصة والاستقطاعات والسلاح المنفلت وهيمنة دول الجوار. ويتسع هذا الدرب لجميع من يؤمن حقاً بهذا العراق، وليس هناك من مبرر لأحد، إذا ما تخلف عن هذا المسار.

عرض مقالات: