اخر الاخبار

تعيش بلادنا ما يسمى “الانسداد السياسي” الذي صنعه صراع القوى المتنفذة سياسيا وعسكريا ومؤسساتيا، وعندما نتحدث عن مؤسسات الدولة، فإن الامر لا ينحصر بالبرلمان، بل يشمل السلطتين التنفيذية والقضائية، والأخيرة ومنذ تشكيلها واقعة تحت تأثير مباشر وغير مباشر للمتنفذين. ولعل إصدارها لتفسيرات وقرارات متناقضة في قضية واحدة، تبعا للتغير في التوازن بين القوى المهيمنة، خير دليل على ذلك.

ان حالة الانسداد تعبر بشكل جلي عن ازمة النظام السياسي والدولة الفاشلة التي انتجها، وهي احدث أزمات نهج المحاصصة الطائفية الاثنية، والتي لا يمكن أن تنتهي الا بتفكيكه، وإقامة النظام البديل المتمثل بدولة المواطنة والمؤسسات الديمقراطية الحقة.

ولم يأتِ تبني شعار التغيير الشامل من قبل أوساط سياسية واجتماعية واسعة، نتيجة لرغبة عابرة او لمس من التطرف، وانما هو استنتاج موضوعي فرضه مسار العملية السياسية، وجسّد حاجة المجتمع للخروج من دوامة الازمات المستمرة والمخاطر الجدية التي تواجه ملايين العراقيين، ويخطئ من يظن ان هذه المخاطر محصورة في منطقة جغرافية معينة في البلاد دون غيرها.

ان الصراع بين الإطار والتيار في جوهره هو صراع على السلطة والنفوذ، دون اغفال التباين بين الطرفين، وتبني التيار الصدري لعناوين وشعارات ذات صبغة وطنية، في سياق سعيه لتجميع القوى لصالح مشروعه الذي يصفه بالإصلاح احيانا والتغيير أحيانا أخرى، مقابل إصرار القوى المتنفذة في الإطار، على التمسك بالتفسيرات الطائفية المباشرة، بحجة الحفاظ على حق “المكون الأكبر” الذي نصبوا أنفسهم ممثلين له. وفي سياق هذا الصراع وظف التيار رصيده الجماهيري الواسع، ونظم حركة احتجاجية، موضوعيا ستدفع أوساط من الرافضين للنظام السياسي الى الانضمام اليها او التعاطف معها، او حتى المراهنة عليها، إزاء هيمنة حالة من العجز على أوساط ليست قليلة.

وعلى الرغم من ان ما يحدث لا يمثل امتدادا لانتفاضة تشرين، والاحتجاجات المطلبية والقطاعية التي لم تنقطع يوما، والتي تعكس حالة السخط والتذمر، على غياب الخدمات وانتشار البطالة والفقر في أوساط الشبيبة، الا انه يعكس حقيقة مهمة جدا، وهي انه حتى أكبر القوى المتنفذة لجأت للشارع، لأنها تعرف جيدا ان هناك اغلبية مجتمعية تترقب وتنتظر وتبحث عن بديل.

اعتقد ان على قوى التغيير ان لا تضع نفسها بين خياري التيار والإطار، ومن الضروري ان تعمل في هذه اللحظات الاستثنائية على تجذير مشروعها على أساس مفهومها للتغيير، دون ان تهمل حراك التيار الصدري او تدخل في تضاد معه، فبديهي ان صراع المتنفذين ينعكس على توازن القوى في المجتمع ويفتح افاقا، لكنه قد يقود الى كوارث. وبالتالي فان حالة التوازي بين مشروع التيار الصدري ومشروع قوى التغيير ليست حالة عراقية خاصة، فتاريخ الصراع الاجتماعي يحدثنا عن تيارات وتحالفات حافظت على استقلال مشاريعها دون ان تخسر إمكانية توظيف نتائج صراع المتنفذين، ولم تحرم نفسها من التفريق بين هذه القوى، مع ابتعادها عن فكرة الثنائيات التي لا بديل لها، والتي ستؤدي الى اضعاف مشروع التغيير الحقيقي في حال تبنيها. ومن هنا تأتي صحة الفكرة التي ترفض احتكار قوة واحدة لتنوع الحراك الجماهير التي تطرحها بعض قوى التغيير.

ان من حسنات ما يدور، هو جعل فكرة التغيير يومية التداول في أحاديث الناس وفي وسائل الاعلام، لكن طبيعة التغيير الذي يطرحه التيار الصدري، وتطرحه شخصيات ليبرالية في الاعلام غير واضحة. وطبيعي ان تنتاب أوساط واسعة من العراقيين الساعين للتغيير مخاوف من إمكانية الاكتفاء بحرمان هذا الطرف او تلك الشخصية، او التراجع وفق مساومات شكلت أداة رئيسية بين المتنفذين في محطات وازمات سابقة. ومن هنا تبرز أهمية تجميع القوى السياسية والمجتمعية الحاملة لمشروع التغيير الشامل، أي التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي. 

ان انتقال قوى التغيير الى مواقع أكثر تأثيرا، والى عامل ضاغط في تحديد مسارات الصراع، بما يتناسب مع مشروعها يتطلب من قواها المنظمة مراجعة تجربتها وسياساتها وهيكلياتها وأدواتها والذهنية التي تدير وفقها الصراع مع الخصوم والمنافسين، فالرؤية السياسية الصحيحة والخطاب الإعلامي المؤثر يبقى عاجزا امام محدودية القدرات التعبوية لقوى التغيير على تنوعها في مواقع العمل والسكن وفي أوساط المهتمين والمثقفين والإعلاميين.

عرض مقالات: